لم يكن (بندر) أول من فتح ذراعيه لمن يرغب أن يحضنه، بل سبقه كثيرون وكثيرات في صور شتى من الخروج على المألوف، والمشكلة في (المألوف) أنه ليس كله جيدا، ولا كل (السائد) طيبا، ولذلك فإن غير الجيد وغير الطيب من المألوف والسائد هو من أبرز مسببات ومفسرات ظهور هذه التقليعات الغريبة، وإن كان لا يبرر تقبل بعضنا لها.
كما أن (بندر) لم يكن مبتدعا لهذه البادرة المخلة، بل كانت قد طوفت في العالم، وروج لها الإعلام من خلال كل الشاشات بلا استثناء، وإن كان نصيب الأسد كان لوسائل الاتصال الاجتماعي الأسرع تأثيرا، والأكثر إغراء بالتداول، حتى إن حريقا من التواصل المحموم، والجدل العقيم قد اندلع فجأة في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية سواء، بل إن أحد المقاطع وصل إلى أكثر من خمسة وسبعين مليون مشاهدة في وقت قصير، وكأن العالم كان غائبا عن الوعي النفسي، وتلبية الاحتياج الإنساني، وفجأة أيقظته لافتة (free hug)، ليجد فيها ما كان يتشوف إليه، وما يداوي حرقته، ويطفئ لوعته.
كان هناك من يفتح صدره لمن يريد، وكان هناك من طور العلاقات العادية في الصداقات إلى إعجاب، ثم إلى تواصل إلكتروني، ثم إلى تواصل جسدي ظاهري، ثم إلى …
ولا تزال المؤسسات التعليمية والتربوية تواجه ـ بين الفينة وأختها ـ موضة منحرفة جديدة، دون أن تكون قد قضت على الظاهرة التي قبلها، فلا تزال الكليات البناتية تعاني من ظواهر البويات، والإيمو، والإعجاب، والتواصل الخاطئ مع الجنس الآخر، وإن كانت تتفاوت في العدد والنسبة، وفي الوقت نفسه تعاني من تدني التمسك بالقيم الشرعية لدى عدد من الطلاب والطالبات، وما يوضع من حلول وبرامج تكون ـ غالبا ـ قد وضعت من خلال مقترحات سريعة غير عميقة، ولذلك فإني أجد من الواجب على وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم أن يكون لديهما مراكز أبحاث اجتماعية عالية الجودة؛ لتدرس كل بادرة قبل أن تصبح ظاهرة، من خلال الاطلاع عليها في بلد المنشأ، ومعرفة أسباب انبثاقها، ثم كيف انتقلت إلى بلادنا، ومن وراء تبنيها، وهل كان التأثر عفويا أو مقصودا، وهل هناك من يغذيها، وما ظواهرها، وكيف يمكن علاجها، بطرق علمية مهنية.
وأجد أن من الضرورة بمكان، أن تعقد ورش عمل شبابية، وبناتية، يتم فيها الاستماع مباشرة إلى أصحاب الشأن ـ كما يقال ـ وتتم مناقشة كل زوايا الموضوع بشفافية عالية، حتى لا نكون مثل الطبيب الفاشل، الذي يكتب الدواء قبل أن يتمَّ عملية التشخيص.
ولعل في الشراكات ما بين المؤسسات التعليمية، والمؤسسات الاجتماعية، مجالا خصبا لالتقاء الخبرتين: الأكاديمية والتنفيذية، من أجل محاصرة كل ما قد يكون سببا في تهتك النسيج الأخلاقي المجتمعي، وخاصة في زمن أصبح لكل فرد مجموعة من المنابر والقنوات.
ولكن السؤال الممض هو: لماذا كل هذه السرعة والتحمس بالاستجابة لأية تقليعة تردنا من الخارج؟ ربما كان من الإجابة: أن المناعة هشة، وصمود الهوية أصابه الوهن، واجتمع مع ذلك حَوَلٌ ثقافي نتج عنه عدم القدرة على التفريق بين ما يجب أن نأخذه من الآخر، وما يجب أن نمتنع عنه تماما؛ فقط؛ لأنه يتصادم مع تشريعاتنا الإسلامية، وعاداتنا الأصيلة، وبالتالي فهو حتما يؤذينا.
ومن الحصانة التي تكسب مناعة قوية للناشئة، هو قوة العلاقة بهم، وصداقتهم بكل معاني الصداقة، وتلبية احتياجاتهم من الاحتضان الأبوي، والتقبيل النبوي، واللمسات الحانية السامية، هناك، لن يقبل أحد منهم أن يلقي بروحه على جسد مجهول أبدا.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.