تقص جزءا من شعرك؛ لتكون أجمل، وتقطع المطابع أطراف الكتب؛ لتصبح جذابة صالحة للصف والتداول، ويقلم البستاني أشجار الحديقة؛ لتبدو أكثر بهجة، فليس كل نقص ثلمة، بل قد يكون إضافة.
قصة رمزية تسللت إلى عيني، فانداح مغزاها على مساحات واسعة من الحياة من حولي.
تقول الحكاية: إن أحد الملوك أهدي إليه صقران رائعان، فأعطاهما كبير مدربي الصقور لديه ليدربهما، وبعد شهور جاءه المدرب ليخبره أن أحد الصقرين يحلق بشكل رائع ومهيب في عَنان السماء، بينما لم يترك الآخر فرع الشجرة الذي يقف عليه مطلقًا. فما كان من الملك إلا أن جمع الأطباء من كل أنحاء البلاد ليعتنوا بالصقر، ولكنهم لم يتمكنوا من حثه على الطيران. فخطرت في عقله فكرة: “ربما عليَّ أن أستعينَ بشخص يألف طبيعة الحياة في الريف، ليفهم أبعاد المشكلة”، وأمر فورًا بإحضار أحد الفلاحين. وفي الصباح ابتهج الملك عندما رأى الصقر يحلق فوق حدائق القصر، فسأل الفلاح الماهر: “كيف جعلته يطير؟”، فأجاب بثقة: “كان الأمر يسيرا، (لقد كسرت الفرع الذي يقف عليه).
من شبابنا من هو واقف على غصن وظيفة يتقاضى من خلالها ألفين أو ثلاثة آلاف، وهو يمتلك طاقة جبارة ولكنها كامنة، قد أعاقها إلفه لهذا الغصن، وعدم رغبته في التغيير، وخوفه من المبادرة إلى ما هو أفضل، وجبنه عن الإقدام إلى العمل على رفع كفاءته وتأهيله؛ ليكون قادرا على إكمال دراسته، أو خوض مسابقة في وظيفة أكثر دخلا من الأولى، وأحيانا أكثر مرونة للتدرج نحو الأحسن دائما.
من مسؤولينا من لا يزال يتشبث بأغصان النظم القديمة، ورضي أن يسير على قاعدة: (الله لا يغير علينا بالمعنى السلبي)، و: (اعملوا ما عمل المسؤول الذي قبلي)، حتى أصبحت مؤسسته أسوأ مؤسسة في القطاع الذي ينتمي إليه.
ومن أولادنا من يمتلك عقلية فذة، ومهارات فائقة، ولكنه متمسك بغصن الصداقات القنوعة بالقليل، الراضية بالضعف، المنطفئة الروح، التي لا تفكر في غير متع البطن و..، ولو أنه كسر هذا الغصن وألقاه جانبا، لرفرف أكثر من رفرفة ذلك الصقر فوق أجواء القصر.
ومن مثقفينا من (بقي على طمام المرحوم) كما يقول عامة بلدتنا، لا تجد في كتاباته جديدا، ولا في شعره إبداعا، ولا في خطابته نفسا خاصا، ولا في برامجه الإعلامية إبهارا، يكثر من نقد الآخرين، وهو لا يمتلك أي مقوم من مقومات التجدد؛ حتى تبلى كلماته، وتتساقط كما تتساقط أوراق الخريف، فلو أنه كسر أغصان الخمول المعرفي، وضرب في بطون الإصدارات الجديدة يبتغي مزيدا من العلم والمعرفة والتدرب على مزيد من فنون القول، وخاض غمار الوسائط الإعلامية المتلاحقة؛ لربما دُهش هو من نتاجه الجديد.
ومن الزوجات من تظل تشكو دهرها، وتندب حظها، وهي ترى زوجها قد هرب من شجرتها، مسافرا مرة، ومقيما في الاستراحات مرة أخرى، ومعرضا عنها تارات وتارات، وهي لا تزال متلبسة بفننها العتيق؛ حتى أصبحت قطعة منه، لم تحاول أن تنطلق انطلاقات جديدة، في توددها، وزينتها، وتفننها في استمالة قلبه إليها، متوهمة بأنه لم يعد إلا لها، وأن السنين الطويلة قد طبعت عليه اسمها، وفجأة تصيح: لقد تزوج الرجل، أو..، وقد تكون هي السبب فيما أغضبها، وربما فيما أغضب ربها.
كلٌ لديه غصنٌ بالٍ يشده إلى الوراء، ولن يحلق إلا إذا كسره.
فقط احذر أن تكسر أي غصن، فقد يكون هو ظلك الوارف، ومأواك الحاني، وسكنك الهانئ، إذن قد تحتاج إلى خبير ليحدد معك أي الأغصان في شجرة حياتك يحتاج إلى أن يختفي؛ لتنطلق.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.