تجديدا لدعوة
مجمع اللغة السعودي
د.خالد الحليبي
ليست هذه دعوة جديدة، بل هي تجديد لدعوة.
فلقد أطلق عدد من علماء المملكة العربية السعودية في المجال اللغوي دعوتهم لإنشاء (مجمع اللغة العربية السعودية) منذ عقود، وحمل لواءها عدد من الأدباء الكبار، وكان المؤتمر المئوي الذي أنهى أعماله التاريخية في شهر شوال 1419هـ بمدينة الرياض برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض آنذاك، قد أصدر قرارًا بإنشاء مجمع اللغة العربية في المملكة؛ حفاظًا على هذه اللغة المجيدة، وخدمتها وتنميتها، ثم عقد مؤتمرا علميا تحت قبة الجامعة الإسلامية الغراء، أكدت توصياته- من جديد- على أهمية إنشاء مجمع لغوي سعودي.
وفي هذا الوقت الحرج الذي تعيشه العربية ودولها، بل يعيشه عدد من الدول التي تضم مجامع اللغة العربية على وجه الخصوص، تؤكد هذه الدعوة وجودها، لاسيما ونحن نخاف على العربية أن تصبح لغة خاصة الخاصة، من جراء طغيان العامية في التعاملات العامة، وطغيان اللغة الإنجليزية على ألسنة الشباب، بل وعلى بعض مراحل التعليم في بعض الدول العربية، وفي مجموعة كبيرة من الكليات ذات التخصصات غير الشرعية واللغوية.
إن المملكة العربية السعودية تتربع على أرض نبعت الفصحى من صحرائها، وتكونت على ألسنة قبائلها مفرداتها، وتوردت في قلوب أدبائها وشعرائها آدابها، ويكفي أنها الأرض التي تشرفت باحتضان مواطن التنزيل، والوحي الكريم، فهي- بلا ريب- الأولى من كل بلاد عربية أخرى هاجرت إليها العربية من هذه البلاد الكريمة العظيمة، التي اختارها المولى جل وعلا على سائر البلاد.
وفي كل مجمع عربي، ستجد عالما سعوديا في اللغة والأدب يمثل بلاده وعلماء بلاده، وفي كل جامعة عريقة من جامعات بلادنا يزدحم علماء كبار في علوم الدلالة والنحو والصرف والعروض والبلاغة وآداب العربية الأخرى، سيكونون كلهم في غاية الاستعداد والعطاء لو أتيحت لهم الفرصة في نهوض بلادهم بهذا الواجب العظيم.
من يقرأ ما كُتب في اليوم العالمي للغة العربية، يشعر بكثير من الفخر والاعتزاز بأقلام أحبت لغتها، ونادت بنصرتها في زمن خذلتها كثير من المحافل ووسائل الإعلام، وتمثل تلك الأقلام الصادقة سندا قويا لقيام المجمع العلمي السعودي المأمول، فليس لمؤسسة وجود ما لم يكن لها جمهور يقف وراءها ومعها، بل ويستفيد منها، ويستثمر عطاءها.
كل الشعوب تعتز بلغاتها، وتصرُّ على أن تتعامل بها، وتخلص لها في تعليمها وتعاملها، ولا تقبل حتى في التعاملات العادية إلا أن تكون بها، والعربية أولى منها جميعا، أليست لغة القرآن، بل هي دين، إذ لا يمكن أن يُفهم الدين الإسلامي بدونها، ولقد كان أعلام العلماء الشرعيين على مر القرون علماء لغة، ألم يكن الشافعي ممن يُستشهد بحديثه، وهو الذي جاء بعد عصر الاحتجاج، والقائمة أطول من أن يُذكر ولو بعضها.
كل مقومات النجاح متوافرة في بلادنا- حماها الله- فولاة الأمر الذين سجلوا سبقا عالميا في تبنّي عدد من القضايا، سيكونون في مقدمة الداعمين لمجمع يحرس لغة القرآن، ويدافع عنها.
وجامعاتنا بكليات اللغة العربية وأقسامها ستكون مادة هذا المجمع، بعلمائها وباحثيها من السعوديين وإخوانهم العرب وحتى من غير العرب، طالما خدم غير العرب العربية، وصاروا أعلاما فيها. والمال عنصر نجاح بلا شك، وهو من مواهب الرب جل وعلا لبلادنا.
ولعلّي أوجّه هذا النداء لمعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز الخضيري؛ ليعيد ترتيب هذا الملف من جديد، ويحيي القرار التاريخي الذي صدر سابقا؟
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.