هل نقاطع أم نعتذر؟
ليس مهما كيف تكون صورتنا في عيون الآخرين، بقدر ما يجب أن تكون صورتنا الحقيقية حسنة وجميلة، ومن طبيعة الأشياء أن من تكون صورته الحقيقية حسنة، فستكون حسنة في عينه وفي عين غيره أيضا.
ديننا هو نحن في عيون الآخرين، شئنا أم أبينا، وهو كلٌّ لا يتجزأ، فليس صحيحا أن نخرج من المسجد وقد صلينا، وفي الوقت نفسه عبثنا بمحتوياته، وتركنا دورات المياه فيه تتلوى من الانحطاط الأخلاقي، ونقول في طريقنا: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}، فليس كل ما قدمناه عملا صالحا يُرجى قبوله، بل إن إلقاء الأذى في المسجد خطيئة، تحتاج إلى كفارة، والصورة البائسة القذرة التي أنَّ ويئنُّ منها مواطنو هذا البلد ومقيموه وضيوفه وزائروه جميعا، هو مستوى النظافة في معظم مساجد الطرق، والمحطات التي تحتضنها، والحدائق العامة، التي تنفق عليها الدولة مئات الملايين، صورة كانت كافية لتدق جرس الخطر، ولتحسم بقرار كبير بحجمها، بل حجم سمعة البلاد التي تعرضت أكثر من مرة للتشويه، حتى نُعتنا بأننا شعب بلا حضارة، بلا تقدم، بلا ثقافة، بلا نظافة.
كتبت وخطبت وتحاورت مع مسؤولين في هذا الشأن، وغيري صنع أضعاف ما صنعت، وتحركت بعض الأطروحات على مستوى مجلس الشورى، ولكن القضية تراوح مكانها؛ حتى أصبحت هذه المشاهد القبيحة ترغمنا على أن نغمض أعيننا خجلا أكثر من إغماضها تقززا!!
حتى المدارس لم تسلم من هذه الظاهرة الواسعة السيئة، فهناك فرق بين منظر الساحات المبهج في الصباح الباكر، وبين منظرها البشع بعد الفسحة الأولى فقط!!.
حتى نعم الله تمتهن في بعض المدارس، حيث يترك بعض الطلبة والطالبات بقايا الطعام على الأرض، دون تقدير لقيمتها المعنوية الكبرى، مما يُغيب المعنى الكبير الذي ربانا عليه أهلونا، حيث لا يتركوننا نترك في الأرض قطعة خبز، ولا حبة رمان، وربما عثرنا بها دون أن نشعر، فننحني ونلتقطها، ونقبلها تقديرا للنعمة، ونضعها في مكان أُعدّ لمثلها؛ لتقدم للبهائم بدلا من أن توضع مع بقية النفايات.
كلنا امتعضنا من صور بعض الحدائق العالمية التي زارها بعض الخليجيين، فحولوها إلى ركام من القاذورات، تماما كما يفعلون في حدائق بلادهم!!
فأين الخلل؟ هل هو في الأسرة التي تدرب أولادها على هذا الانحطاط في السلوك، حين تأمرهم في نهاية أية نزهة أن يرفعوا البساط الأحمر من الوسط؛ ليتساقط كل ما فيه على البساط الأخضر؛ ليصبح بساطا أغبر؟!!
هل هو من المدرسة التي لا ترشد الطلبة، ولا تضع برنامجا للتدريب على هذه القيمة لتصبح سلوكا طبعيا نابعا من اقتناعات داخلية ذاتية، ومستندة إلى دين الطهارة والنظافة والجمال، وتحاسب من يستهتر بها؟
هل هو من الدوائر المسؤولة عن النظافة العامة في البلد؟! حيث ترصد وزارة الشؤون البلدية والقروية المليارات لشركات النظافة؛ لتزيل الأوساخ التي تُرمى عمدا من السيارات، ومن النوافذ، وحتى أمام المتاجر والبيوت إلى جوار الصناديق المخصصة لها، وليس فيها، ولكنها لا ترصد سوى دراهم معدودة – إن حصل هذا – لحملات التوعية التي ترشد المواطنين والمقيمين للحفاظ على الممتلكات العامة، فضلا عن أهمية بناء عصري لنظام شامل يضمن انتشار ثقافة النظافة في المجتمع، ويفرض عقوبات على مخالفيه بكل حزم.
هل هي الجهات الاجتماعية، وخاصة لجان التنمية الاجتماعية في الأحياء، التي فعَّلت عددا من فعاليات لائحتها، ولكنها لم تُعنَ بقضية (النظافة العامة)؟
أم هي (المرأة) التي تعتني بنظافة منزلها إلى درجة الشجار الدائم مع أولادها، ولكنها تكون أكثر من غيرها إهمالا للنظافة في الأماكن العامة التي ترتادها؟ واسألوا عن مصليات النساء، ودوراتها، وعن حدائق العائلات بالذات!!
وأخيرا، هل من حق الدول التي نقلنا لها هذا الغثاء مع بعض مسافرينا أن تغضب منا؛ فتصفنا بما لا يرضينا!! وتضع اللوحات التي تدعونا للتحضر باللغة العربية؟!!
أم أن من حقنا أن نغضب منها؛ فنقاطع السفر إليها؟ أم يجب أن نعتذر من شعوبها التي اعتادت النظافة حتى أصبحت لا تستطيع أن تقبل غيرها، أو تعيش بدونها؟
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.