وقد حميَ الوطيس.. فأين تحرس؟
الاستقرار أساس الإبداع، ومنطلق التنمية، وخيمة الأمان الضافية، بدونه تصبح الحياة لا حياة.. بل هو أكبر من ذلك، فبه -بحفظ الله- تحفظ الضرورات الخمس؛ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ماذا وقد رأينا ما حل من عواصف الحروب لدى بعض جاراتنا، دولا ومدنا وقرى وحضارات، فاستنجدت فسبقنا الأمم ننجدها، واستجارت فقدنا الحلفاء من كل أنحاء الأمة لنجيرها، عشنا حالة الحرب على حدودنا نصرة لأشقائنا، وحماية لكياننا، ونحن ننعم بالأمن والأمان في داخل ديارنا، بينما تصدت لكل رصاصة طائشة تتجاوز حدودنا نفوس كريمة، وأجساد طاهرة، تدافع عن دينها وأرضها ووطنها بشغف وحب، وهي تتسابق للصفوف الأمامية.
وإذا كان للجبهة الخارجية فرسانها فللجبهة الداخلية فرسانها أيضا، كيف وأعداء الإسلام والسلام لا يقر لهم قرار وهم يرون الألفة بين القادة والشعب، ويتمزقون حسرة وهم يرقبون سعة العيش ونمو الحياة في كل اتجاهاتها، فسعوا إلى زرع بذور الفتنة بالتفجير الحقود، وقتل الأبرياء غيلة وغدرا، ونشر الأوبئة المدمرة للعقل والعرض والقلب والروح؛ محاولات تحمل معها فشلها الذريع، فالوحدة العظيمة التي لم يعرف لها التاريخ العربي الحديث مثيلا تزداد وتشتدّ، والدولة بعون الله وتأييده تصدُّ العدوَّ الخارجي، وتصون الأمن الداخلي، وتقود التنمية والتحول الوطني، وتوازن الاقتصاد المحلي في زمن يعيش فيه العالم بنفطه وذهبه وإيراداته تذبذبا خطيرا، كل ذلك يتم بجهود لا تعرف التردد ولا التقهقر، بل هو الحزم والعزم والإقدام والتوكل على الله الحافظ.
ولكن هل من الصواب أن يبقى أحدنا على المدرجات يتفرج، ويصرخ مرة ويصفق مرة؟!
ألا يخشى من يستطيع أن يقدم لوطنه ما يحفظ به أمنه وكيانه، أو يتقدم به ويواصل بناءه وتنميته، ويتقهقر عن ذلك أن يكون فارا من الزحف، مع الفارق الشرعي.
الحالة الراهنة تقول لك أيها المسؤول والموظف: وظيفتُك أمانتُك التي ستسأل عنها أمام الله وليس أمام مسؤولك في الدنيا فقط، هي صمام أمان، فحين عبثت بها الأيدي الفاسدة في بعض البلدان تزعزع الأمن واضطرب، فاتق الله واحفظ أمانتك.
الحالة الراهنة تقول لك أيها الأب: انتبه لولدك، اقترب منه أكثر، تحدث معه باستمرار، تعرف على أفكاره ومستجدات حياته وصداقاته، تفهم احتياجاته وأشبعها بتوازن، شُده إلى دينه، وحببه في وطنه، وصُغ منه يدا تبني وقلبا يحب.
والحالة الراهنة تقول لك أيها الخطيب والكاتب والمعلم والإعلامي والمدرب: قدم نشر الوعي البصير بما يجري، والتحذير الشديد من خفافيش الظلام، واستنكار كل اعتداء على الأبرياء، على كل الموضوعات التي تختارها لقلمك ولسانك، قل للشباب: إن ديننا دين حياة لا دين موت، دين يقدس النفس المعصومة، ويحفظ لها حقها في الحياة وحقها في الاستقرار الهانئ والعيش الكريم، قل لهم: إن المسلم إذا ذهب ليقاتل فإنما ذهب لينتصر لا ليموت، وإذا أدركته الشهادة فذلك الشرف الكبير، والكرامة العظمى.
والحالة الراهنة تقول لك أيها الجندي البطل على الحدود: إنك تاج على رؤوسنا، ووقفتك الشماء تحيي الفداء والتضحية والجهاد الحق في سبيل الله في الأمة بأسرها، وسهر عينيك وأنت تقرأ كتاب الله بعين، وتحرس ثغرك بالعين الأخرى، مقدَّر عند الله تعالى وعند خلقه، ويكفيك إذا حظيت بالاحتساب في عملك بألا تمسهما النار يوم القيامة، كلنا معك، وجنود مدَّ البصر تحتضنهم هذه الأرض الطيبة بين جنباتها سوف تجدهم أمامك لو دعا الداعي في لحظات، إنها ثغور الحرمين الشريفين، أعظم الثغور وأكرمها، وأجلها وأقدسها!
ومن حقك علينا أن نشيد ببطولاتك، ونقدر تضحياتك، ونخلفك في أهلك ومالك، ونعين أسرتك في غيابك.
والحالة الراهنة تقول لكل إنسان يستظل بهذا الأمن الوارف مواطنا أو مقيما أو حتى زائرا: كن عينا تحرس في سبيل الله في كل لحظة، انقل ما ترى مما يريبك إلى الجهة المسؤولة ولا تتأخر، فقد تنجي بمكالمة واحدة نفوسا معصومة، وتدل على مفسد جبان يتخفى وراء الأكمات!!
حراسة الجبهة الداخلية مهمتنا جميعا، ضمن قيادة الدولة وتوجيهاتها، ومن يجبن عن الدفاع عن بلاده، فلا خير فيه، ومن يؤثر الراحة في زمن التضحيات، فهو أصغر من أن يستحق كرامة الحياة، ولا أحقر ممن يلتمس لنفسه عذرا في خذلان بلاده حين تنتدبه وهي تكتب تاريخها المجيد، ولن يجد الغدر ملجأ إلا في بيوت الخونة، وأرض الإباء والعز تلفظ كل خوّان أثيم، والمجد والنصر لوطن التوحيد بإذن الله تعالى.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.