محور حياة الرجل هو العمل، يسعد به نفسه، ويحقق به وجوده الفاعل، وطموحه الممتد ما امتدت حياته، ويؤكد به قدره الاجتماعي، ويمثل البيت بالنسبة له الواجب الأساس والولاية الأولى، ولكنه يجد أنه مكفي في كثير من شؤونه بزوجته/الأم.
بينما محور حياة المرأة هو البيت ما دامت زوجة وأما، مهما كانت وظيفتها، وهو ما يجب أن يكون، وإذا كان غير ذلك، واتخذت من العمل المحور الأول، وجعلت بيتها في مقام متأخر عنه، أضاعت مسؤوليتها، وقوضت سعادتها، وهدمت عشها بيدها.
والعلم والعمل من حقوق المرأة المكتسبة، وقد طالبت المرأة ـ في زمن النبوة ـ بحقها في التعلم منفردة عن الرجال، بخصوصية تامة، قالت النساء للنبي – صلى الله عليه وسلم – : “غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن” رواه البخاري، وبرزت في العهد النبوي عالمات ومفتيات. واستمر العلم في النساء المؤمنات، حتى يومنا هذا، وسجلت سير العلماء الكبار قوائم مضيئة من (الشيخات) اللاتي تعلموا على أيديهن في شتى الفنون.
والمرأة إما أن تكون غير مرتبطة بزوج وأولاد، وليس لديها ظروف خاصة بها تجعلها في حاجة إلى ملازمة المنزل لأي سبب كان، فمن حقها ومن حق بنات جنسها عليها أن تتدرج في سلم الدرجات العلمية، وتسهم ـ ما استطاعت ـ في بناء مجتمعها ووطنها، ونشر العلم وخدمة المجتمع، بأية وظيفة كريمة تمكنها من تحقيق أهدافها دون أن تخل بخصوصيتها الأنثوية، أو تختلط بالرجال الأجانب عنها.
وإما أن تكون ذات زوج وولد، فهي تحمل وظيفتين إضافيتين هما أوجب عليها من أية وظيفة أخرى، الأولى: أداء الحقوق الزوجية وإدارة البيت من الداخل، والأخرى: الأمومة وصناعة الإنسان السوي الفعال، ثم لها بعد ذلك أن تتخذ أية وظيفة أخرى تسهم من خلالها مع أخواتها غير المتزوجات في تنمية الحياة وعمارة الأرض بما يرضي الله تعالى.
فأما بالنسبة للمهمة الأولى: فإني مؤمنٌ ـ من خلال ما رأيت وسمعت أكثر مما قرأت وتعلمت ـ أن قدرات النجاح في العلاقات الزوجية، والتربية الوالدية فطرية، وأن هناك من الزوجات والأمهات من وُهبن ملكة العشرة الحسنة وفهم نفسية الرجل، كما وهبن مهارات التنشئة كأنما تعلمنها وتدربن عليها، ولذلك نجحت زوجات وأمهات أُميات أن يكن وراء قامات عالية في شتى ضروب المعرفة والقيادة والإبداع، وفشلت أمهات متعلمات في الحدّ الأدنى من العشرة الحسنة والتربية القويمة.
ولكنَّ ذلك لا يعني أن الأفضل هي المرأة الأمية، بل إن المرأة المتعلمة تمتلك ما لا تمتلكه المرأة الأمية بلا شك، على أن تبقى وفية لمهمتيها الأوليين، ولا ينحو بها الطموح العلمي بعيدا عن وظيفتها المزدوجة، وهي أن تبقى زوجة عظيمة، وأمًّا رؤوما.
كما أن العلاقات الزوجية والتربية الوالدية ـ كغيرها من فنون الحياة ـ مهارات تحتاج إلى تعلم وتدرب واكتساب، فتزيد القدرات الفطرية قوة ورسوخا، وتكتسب المرأةُ ما لم تُفطر عليه من المهارات، وبخاصة في زمن ازدادت فيه تيارات وأهواء ومغريات وصوارف ومؤثرات تأتي من خارج المنزل، وتتسم بقوة الجاذبية وعمق التأثير، فكان من الضروري جدا للمرأة أن تتعلم وتتدرب وتستعد لكل هذه المؤثرات؛ لتوظيف الجيد، وصد الرديء.
وقد أخذت آراء النساء اللاتي جمعن بين المهمات الثلاث، فوجدت أن هناك حالات كثيرة، طغى الطموح العلمي والوظيفي فيها على الواجبات الأسرية، وقد تحقق فيها المرأة طموحها، ولكن النتيجة فقدان زوج أو ضياع أولاد، هذه إحداهن، كانت في انبساط مع زوجها، واستقرار في حياتها الزوجية، وهي موظفة مرموقة، طمحت في الحصول على درجة الماجستير مما تطلب السفر الدائم إلى منطقة أخرى غير المنطقة التي تعيش فيها، فكانت النتيجة في نهاية الدراسة زواج الزوج بامرأة لم تتجاوز المرحلة الابتدائية، في ردة فعل واضحة.
بينما اختارت سيدة أخرى أن تحقق طموحها العلمي وهي في بيئتها بما يتيسر لها، حفاظا على أولادها الذين يمرون بمرحلة المراهقة، فلا خير في نجاح المرأة إذا كان الثمن إخفاق أولادها.
نعم، من حق المرأة أن تكون مستقلة ماديًّا ووظيفيا، لكن بين الاستقلال المادي والتمرد على وظيفتها الأساس شعرة، كما تقول إحداهن. وتضيف: أنا أؤيد أن تكون المرأة عاملة في حالة أن تكون موازِنة بين مسؤولياتها وواجباتها وراحتها أيضا. والراحة والصحة مما تفقده كثير من النساء العاملات اليوم، حتى تقضي كل حياتها في كدح لا يمثل بالنسبة لها ضرورة.
والوعي الكامل لدى إحداهن جعلها تقول بكل اقتناع: إن الأمومة في حد ذاتها وظيفة، فأنا بوصفي أما: لدي مشروع هو (التربية) أعمل عليه الآن لأحصد النتائج بعد عشرين عاما إن شاء الله.
كل له أولياته التي يعمل عليها، والعاقل من يقدم الأهم على المهم، ويمكن طرح بعض الأسئلة لتحديد الأهم في هذه الخيارات التي كلها مهمة:
· هل في إكمال دراستي أو القبول بهذه الوظيفة وفي الموقع المحدد لها فائدة في المقام الأول لأسرتي؟؟
· هل له ضرر على أسرتي؟ ما مقدار الضرر؟؟
· هل هناك من يسدد عني بعض مسؤولياتي وقت غيابي ويكون مخلصا مأمونا على أولادي وبيتي؟
كيف هي موافقة الزوج؟ هل هي على مضض، بمعنى موافقة بغير رضا، أو منعا من وقوع مشاكل لرفضه. أم موافقة مع إيجاد عوائق، أو تحميل الزوجة المسؤولية كاملة فـِي حالة حصول مكروه لأحد أولاده. أم موافقة مع إبداء عدم التعاون تماما. وهنا لا بد من وجود طرف ثالث معين لها. أم هو موافق باقتناع تام، ولديه الاستعداد للتعاون مع زوجته في تحقيق طموحاتها؟.
بل هناك سؤال كبير وصريح مع النفس: هل بالفعل أنا أرغب في تحقيق هذا الطموح لاقتناعي بجدواه، أم هو مجرد مسايرة وتقليد لمن هم حولي؟.
كل أسرة لها ظروفها وأوضاعها الخاصة بها، والمرأة الحكيمة من تراعي الأوليات وتراعي ظروفها وتوازن بين الأمور.
تقول إحدى السيدات المكافحات، التي حققت نجاحا على المستوى العلمي حتى بلغت التحضير للدكتوراه، كما حققت نجاحا لافتا على المستوى الأسري: “ليس هناك طعم نجاح في هذه الدنيا يعدل بسمة من ثغر طفل يشدو بماما”.
وتضيف: “سأوقف كل طموحاتي إن تعارضت مع أسرتي ولكن سأبذل كل جهدي ألا يتصادما … أوزع الأدوار أقدم التنازلات التي لا تعني لي شيئا ولدى بعض الناس أشياء، أرتب أولياتي وأتقرب كثيرا ممن بيده مقاليد السماوات والأرض، والحمد لله راضية كثيرا عن حياتي واسأل الله أن أكون لديه مرضية.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.