إذا أردنا تحقيق الأمن فلا بد أن نوقن بأنه لا يكون بيد واحدة، وإنما لا بد من تكاتف أطراف عديدة، فالإنسان كائن متشعب العلاقات، كالقصر الضخم، شرفاته وأبوابه وجهاته تتعامل مع الجهات الست، فإذا أمنت جهة أو أكثر، وبقيت ولو واحدة، فلربما تأتيه النوائب والاعتداءات من تلك الجهة، وأول وأهم يد تؤمنه ـ بأمر الله تعالى ـ هي يد الوالدين.
إن نوع العلاقة بين الوالدين والولد متفردة عن كل العلاقات الأخرى، إنها ليست مرهونة بوقت محدود هي أوثق العرى الأسرية على الإطلاق، لا يمكن للإنسان أن يهرب منها أو يتخلى عنها، بل إن من فضل الله تعالى على الإنسان أن جعلها مبنية على الفطرة، وجعل الرابط بين الوالدين والولد حبا مطلقا غير نفعي، فالولد محبوب مهما فعل، ولا يرجو الوالد من الولد أي عائد، وإن رجا ذلك فإنه لم يربه من أجله، بحيث أنه إذا لم يحصل له تراجع عن حبه!!
كما أن واجب التربية على الوالدين يعد مسؤولية كبرى تقع على كاهل الوالدين، لا يحق لهما شرعا ولا قانونا ولا عرفا أن يتخلوا عنها، أو يستقيلوا منها، أو يفوضوها تفويضا مطلقا أبديا. مما يعطي الأمن للولد لوجود مسؤول عنه مباشر لا يمكن أن يتخلى عنه بإذن الله تعالى.
والهدف من ذلك واضح جلي، يتلخص في الوصول إلى تحقيق تربية متوازنة صالحة، تتناول جميع جوانب شخصية الولد؛ الروحية والعقلية والجسدية والنفسية؛ مما يتمخض عنه تحقيق النجاح من وراء هذه التربية ـ بالتوكل على الله تعالى ـ ليحصل الولد على الأمن النفسي، ليكون سويا، ذا صحة نفسية عالية، قادرا على التعامل مع المشكلات، محققا لقدر كبير من التفوق والإبداع، خلال حياته بإذن الله تعالى.
ومن أبرز وسائل تحقيق الأمن النفسي للولد، إشباع الحاجات النفسية والفطرية والفيسلوجية، وإشباع الحاجة إلى الأمن والاستقرار المادي، والاقتراب الجسدي بالمسح واللمس والضم والتقبيل، والدعم العاطفي باللغة والإشارة والدمعة والضحكة، والإنصات المبدع، والتوسط بين الحماية والاستقلالية، والإشباع الجنسي السليم؛ سواء بتصريف الطاقة الجنسية في أعمال جليلة، أو ارياضة الحسنة، أو بالزواج الطريق الشرعي الوحيد، ودعم التفاعل الاجتماعي، وتكريس الإحساس بالانتماء للأسرة، ثم للوطن ثم للأمة، وكل ذلك ضمن الانتماء للدين، وإشباع الحاجة للعب والمرح، والحاجة إلى تقدير الذات ذاتيا وغيريا، وتوجيه ورعاية واستثمار الحاجة إلى بلوغ الأهداف بالقدرات الذاتية.
ومن الأمور التي تعد ذات بعد جدلي خلافي بين الوالد والولد الحرية، وذلك لفقدان المعايير المناسبة لممارستها، فإن زادت ضاع الولد، وإن نقصت انكفأ على نفسه، وتصاغر حتى ينزوي وينطوي، ويصاب بعدد من الأدواء النفسية المعقدة، والتي قد تنتابه طوال حياته.
كما إن مما يؤمن الأمن المستقبلي للولد تخصيب الدوافع الجمالية والإبداعية التي فطر عليها، وتنميتها، وممارسة الأبوة والأمومة بكل حنانها وحزمها في آن واحد.
ومما يؤدي إلى فقدان الأمن الوالدي: الحرمان العاطفي، وعدم التعبير عن العواطف الإيجابية، والتضارب والاضطراب العاطفي، والقسوة والعقاب البدني والنفسي المستمرين دون مبرر أو اقتناع من الولد، والحماية الزائدة، وتهميش الشخصية، والإهمال الذي يعد أول عائق تربوي في بلادنا، وعدم المراقبة، وعدم التخطيط لمستقبل الولد، وإهمال صلاته وصداقاته.
وفي هذا الزمن الذي تحيط المخاطر بالولد من جميع الجوانب ما أحرى الوالدين أن يربوه على التقوى والصلاة على وقتها في المسجد بالنسبة للذكر، والمراقبة الذاتية.
ولذلك فنون ومهارات ينبغي أن تطلب في مظانها، فكثيرا ما نسعى لنتعلم ما يجعلنا أكثر نجاحا في أمورنا الدنيوية، أليس لأولادنا حق أن نتعلم ما ينفعهم من تعاملنا الذي قد يصل إلى نجاح الولد دنيا وأخرى، أو إلى إخفاقه دنيا وأخرى.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.