من أسوأ الظواهر الاجتماعية التي أطلت برأسها ـ بحذر ـ منذ فترة ليست قصيرة ، ولكنها أصبحت الآن بادية القوام ، جلدة المحيا ، تتمتع بإصرار وقوة ، مستعدة للمبارزة والدفاع عن النفس ، ظاهرة التغنج عند الرجال ، والترجل عند النساء .
وهوس مخالفة سنة الكون جزء من الهوس العام الذي يجتاح البشرية لمخالفة كل سائد مهما كان نافعا ، والخروج عن كل مألوف وإن كان ضروريا .
لقد أصبحت مشاهد التخنث والتغنج بين عدد من فتيان المجتمع تأخذ في ازدياد ، فالخصور ضيقة ، والصدور مفتوحة وربما علقت عليها بعض السلاسل ، والشفاه والخدود تتلون وتتشكل حسب رغبات ( الرجل / الأنثى ) وزملائه الكرام، أو عشاق فنه أصحاب الذوق الرفيع ، يتمايل ويتعطف في مشيته ، ويتغنج ويمطط في كلامه ، ويكاد يرقص طربا حين يسمع ثناء المعجبات وهيام العاشقات وبلاهة المتيمات ، كل ذلك في الزمن الذي تخوض فيه الأمة معركة المصير مع أعدائها ، وتتطلب أن تبعث الرجولة والفتوة والقوة بين شبابها ، وما أصدق الشاعر الراحل محمود غنيم في أمثالهم :
شباب العرب يا زين الشباب ويا أشـباه آسـاد غضـاب
أرى منكم فريقا حين يمشـي يحك بأنـفـه أنف السـحاب
كليث الغاب في صلف وكبر وليس لدى الكريهة ليث غاب
تفـنن في مـحاكاة العذارى وخالفـهـن في وضع النقاب
ولا يخشى على شيء ويخشى إذا ثار الغـبـار على الثياب
وفي المقابل تمت عملية الانتكاسة في صفوف عدد من الفتيات ، انتكاسة فضيعة لم أتوقعها أبدا ، حين شاعت عادة الترجل الذميمة بينهن ، في الأسواق والمدارس والمجالس ، فالغانيات الرقيقات اللاتي قال فيهن ابن أبي ربيعة :
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
أصبحن يمشين مشية عسكرية فيها صلابة وقوة مفتعلة ، يحاولن أن يبرزن صدورهن ، ويرفعن رؤوسهن ، ويضربن بأرجلهن ، ويخشن أصواتهن وهن يتحدثن فيما بينهن ؛ ليقتربن من عالم الرجال . والأزياء الأخيرة للفتيات التي تصمم داخليا لا تخلو من شبه قريب من ثوب الرجل ؛ كاتحاد سعة الفستان من أعلى إلى أسفل ، ووضع الجيب على الصدر من الجهة اليسرى ، وتقصيره فوق الكعبين ، ووضع الطوق المشابه للطوق الذي في ثوب الرجل .. وقد انتشرت هذه الظاهرة واستشرت بحيث أصبحت ظاهرة تستحق القيام بدراسات اجتماعية وتربوية لمعرفة أسبابها ووضع العلاج لها.
والأسئلة التي انهمرت علي وأنا أتأمل هذه الظواهر عند الجنسين هي :
هل هذا نتيجة طبيعية لفراغ النفس من الأهداف العليا ، وتعبير عن العجز عن تحقيق الذات بالأعمال المنتجة ، والهروب إلى أعمال أخرى أقل أهمية ولكنها ملفتة لنظر الآخرين ، تجعل لأصحابها قيمة ولو رديئة ؟
هل هذا مجرد تقليد لما يشاهد على الشاشات من فتات الموائد الغربية ؟
هل هذه الظاهرة تعبر عن شوق غائر في النفس إلى الجنس الآخر لم يستطع أحدهما الوصول إليه في ظل الواقع الشرعي والاجتماعي المحافظ ، فكانت محاولة التشبه به هي وسيلة جذب انتباهه ؟
ألا ليت شبابنا وفتياتنا يفقهون أن سنة الله في خلق الجنسين مختلفين في السمات والرغبات هي من الدقة والإتقان بحيث إذا حاول أحد من الخلق أن يعبث بها فإنه يعرض نفسه إلى خلل في أصل التكوين ، وطبيعة النفس ، مما يؤدي إلى تصدع شديد في الكيان النفسي وعلاقاته بالجنس الآخر .
فأي الرجال يشتهي أن تترجل أنثاه ، وأي النساء تتمنى أن يتخنث رجلها؟
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.