الحب .. تلك العاطفة الرائعة ، التي تتعايش بها الخلائق ، وتعطي للحياة معنى أجمل، تسود بها الألفة بين الناس ، وتسمو بها النفوس عن الأحقاد ، وتنعقد بها الأواصر القوية ، التي يصل التمسك بها إلى التضحية من أجلها .
والمتأمل في هذا العصر الموبوء بالمتناقضات لن يجد ـ في تاريخ البشرية ـ زمنا أكثر منه اعتداء على هذا المعنى الجليل ، فقد أصبح الحب في عصرنا مقصلة للفضيلة ، وشركا منصوبا ـ بدهاء ـ لكل مظاهر الحشمة والعفة .
وقدمت الأفلام والمسلسلات والأغاني الهابطة آلاف الأدلة على صدق هذه المقولة . وقامت بدور خطير في نقل الصورة الممسوخة للحب إلى مجتمعات المسلمين ، فوجد فيها المتاجرون بالعواطف ، المتعطشون لإشباع الغرائز الدنية فرصة ثمينة للاصطياد في الماء العكر .
ما يسمى ( عيد الحب ) ابتدعه النصارى قبل حوالي ثمانية عشر قرنا من الزمان ، تكريما لأحد قساوستهم ( فالنتين ) في قصة باتت مشهورة بين الناس .
والسؤال الذي لا يزال يتلظى في خاطري :
ما الذي يدعو شبابنا وفتياتنا أن ينساقوا بسهولة في العامين الأخيرين لتقليديهم في الاحتفال بهذا العيد ، مع بعده التام عن كل ما يخصنا .. اعتقادا وسلوكا وعادات أصيلة ؟
إن هذه الظاهرة تنذر بالخطر حقا !
إنها تعني أن كل ما يشاهده أبناؤنا وبناتنا من خلال شاشات الفضائيات ومواقع الإنترنت والمجلات ، من مظاهر الجريمة والانحراف والتيه بات من الممكن أن ينتقل إلى مجتمعنا .. لا قدر الله ، فإن حمى التبعية سرعان ما تنتشر لا سيما في الشباب الفارغ من الأهداف العليا ، والنساء قليلات الثقافة ، وذلك ـ لا شك ـ من علامات الهزيمة النفسية التي منيت بها شريحة من جيل اليوم أمام سطوة ذلك الإعلام المتسلط .
وهؤلاء ـ دائما ـ فريسة سهلة لشركات الابتزاز الإعلامي ، التي تنشط في مثل هذا الموسم في تصدير كل الأدوات الحمراء المناسبة لهذه المناسبة السنوية ، حتى إنها ترفع سعرها بشكل لافت مستغلة طبيعة حب التقليد التي فطرت عليها النفوس ، ومع ذلك تجد من يشتريها مخترقا حتى النظم الموضوعة للحد من انتشار هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا الإسلامي .
والعجيب أن عددا من شبابنا يستقبلون عيدي الفطر المبارك والأضحى بالنوم والكسل ، وتهب أجسادهم بنشاط غريب ، ويبذلون الأموال من أجل الاحتفال بعيد لا يمت لهم ولا لدينهم ولا لثقافتهم ولا لبلادهم بصلة . وتجد أحدهم يهتف : إنه عيد الحب والصدق والبهجة .. إنه عيد فالنتين .. وربما لو سألت أحدهم عن معنى هذه الكلمة ، لسمعت ما يضحكك ويبكيك في آن واحد ، إنهم يجهلون ما يقلدون ، ويجهلون ما به يطربون ، ولكن إذا كان هذا الأمر قادما من الغرب ، فلا بأس ؛ لأن ذلك يعني عندهم التقدم والتطور .
إن بعض شبابنا وفتياتنا قد يقول : إنهم لا يشاركون هؤلاء معتقدهم ، وإنما يبعثون في هذا اليوم معاني الحب والبهجة وينشرونها بينهم فحسب ، وهذه لا شك مغالطة ، فالإسلام لم يترك هذه الثغرة ، بل جعل العيدين الكريمين الفطر والأضحى مجالا خصبا لتصفية الخلافات ، ونبذ التشاحن ، وإشاعة المحبة ، ولسنا في حاجة إلى استيراد حتى الأعياد التي فيها نتصافى .
إن إهداء الهدايا بشتى أنواعها المباحة لمن نحب من والدين وأرحام وأصدقاء مما يوثق العلاقات ، ويزيد المحبة ، والرسول يقول : (( تهادوا تحابوا )) ، ولكن يجب أن يكون ذلك في غير زمن تبادل هؤلاء هداياهم في أعيادهم المقررة في زمن معين .
وللأسف الشديد فإن حب المال جعل بعض تجارنا يفرحون بهذه المناسبة ؛ لأنها زادت لهم موسما جديدا من مواسم تجارتهم . فمتى تكون مصلحة ديننا وبلادنا فوق مصالحنا الخاصة وأنانيتنا ؟! متى ؟!
باقة ورد
لكل ولي أمر حرص على إقناع أولاده بخطورة الانسياق وراء مثل هذه الظواهر ، ولكل المؤسسات التعليمية التي تحاصرها في منسوبيها ، بالتوعية الرقيقة، والمراقبة الحذرة ، والمنع الحازم .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.