أدركت بعض مثقفي العوام في حارتنا القديمة يسمون الأوراق الفارغة مواعين العلوم ، ويكنون لها تقديرا خاصا من أجل ذلك ، يصل إلى رفعها من الأرض وتنظيفها ووضعها في مكان محترم ، وهي فارغة تماما من أي مضمون !!
وها أنا ذا أدرك بعض عوام المثقفين وهم يمتهنون مواعين العلوم وهي ملأى بأقدس الأسماء وأجل الكلام ؛ يجمعونها بأقذر النفايات في المزابل ، ويفترشونها للأكل والجلوس بل وتحت الأقدام في مكاتبهم ، لا يرعون لها حرمة ، ولا يقدرون لها قدرا .
وتكثر ظاهرة امتهان الأوراق المحترمة في مواسم الاختبارات ، حيث تنضح تصرفات الطلاب والطالبات بعد أداء الاختبار بطبيعة العلاقة بينهم وبين تلك الكتب والكراسات التي صحبوها طوال فترة الدراسة ، وأنها لا تعدو علاقة مصلحة جافة ، تنتهي عند انتهائها ، بل علاقة حقد دفين ، يظهر في شكل عمل عدواني ، ينقض فيه أحدهم على الكتاب أو الكراس بكل غيظ وحنق ، ويمزقه إربا ، ويتركه فريسة قتيلة بين أشداق الرياح النهمة .
أما علم هؤلاء بأننا أمة تحتفل بالقيمة المعنوية للشيء أعظم من احتفالها بقيمته المادية، وأن قطعة الخبز وشطر التمرة لدينا لهما شأن ، يجعلنا نتحرك بدافع داخلي لنرفعهما من الأرض ، ونختار لهما مكانا محترما نضعهما فيه ، لا لأننا في حاجة إليهما ، ولكن لأننا نقدر نعمة الله علينا ، والتي هذه الأشياء رمز لها .
ولقد ذهلت حينما علمت بتصرف إحدى المراقبات ، حين انتزعت كراسة مقرر التفسير من يد إحدى الطالبات بعد الاختبار ، ورمته ـ بلا مبالاة ـ من الدور العلوي تجاه الممر الذي تجوسه أقدام الطالبات في وسط المدرسة !! متجاهلة الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، والعلم الشرعي الذي يتضمنه !! فماذا بقي بعد هذا التصرف لهذه المربية من معاني التربية والتعليم في نفوس طالباتها ؟؟!!
حقا إنه تصرف فردي شاذ ، ولكنه يبقى مؤشرا على خطورة هذه الظاهرة ، وضرورة البحث لها عن علاج .
وفتحا لباب الإسهام في علاج هذه الظاهرة أقترح الوسائل الآتية :
الأولى : نشر الوعي بين الناس بهذه القيمة الحضارية التي تتصل بتقدير العلم وآثاره ودوره وكتبه ، وأن ذلك من علامات تحضر المجتمع وتقدمه ، فنحن من أمة تقدر الحرف ، وهي التي رسمت أول خطوطه للبشرية ، ونعد تقدير ما يحويه من ورق أيا كان ، من علامات التقوى والصلاح ، حيث لا يمكن أن تخلو كراسة أو كتاب من ذكر لله تعالى ، أو نبيه ، أو أي كلام له قدر وشرف ، ولكل هذه الأمور عظمة وقداسة في قلوبنا ، ولينهض بهذه التوعية : الوالدان في الأسرة ، والمعلمون في المدرسة، والخطباء في المساجد ، والكتاب في الصحف ، والإعلاميون أينما كانوا وبأي وسيلة شاءوا ، وليشفع القول بالعمل ، فيوضع في كل بيت ومكتب وفصل سلة خاصة بالأوراق المحترمة ، أو آله خاصة بإتلافها . ويشمل ذلك الكتب والصحف بأنواعها .
الوسيلة الثانية : تكثيف الصناديق الكبيرة البيضاء ، الخاصة بمثل هذه الأوراق في المساجد والأحياء والمدارس ، وهي وسيلة شرعت فيها البلديات مشكورة منذ سنوات في بعض الأماكن ، وبقي أن تحرص على تعميمها ، وتفريغها باستمرار ، فقد تكررت مناظر فيضانها ، وتبعثر الكتب حولها ، ويا ليتها تقوم بوضع لافتات واضحة عليها توجه الناس إلى خصوصيتها للأوراق المحترمة فقط ، وليس لبقية النفايات كما يفعل بعض الناس هداهم الله .
الوسيلة الثالثة : تفعيل التعميمات الصادرة من بعض الجهات التعليمية ، والتي تقضي بسحب الكتب من الناجحين عند تسلم النتيجة ، فلعل ذلك يقلل من تصاعد هذه الظاهرة الخطيرة .
برقية ..
أرجو أن تجد هذه المقترحات طريقها إلى الواقع .. فتلك أمانة .. اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.