استطاعت لغة الأخبار اليومية التي اعتادت أن تزعجنا أكثر مما تفرحنا ، أن تغير حتى من تعبيراتنا عن المعاني العامة التي تدور في حياتنا ، فإنني حين أردت أن أعنون مقالتي هذه ، إذا بلفظ ( التمرد ) يقفز أمامي ويتمدد في أفقي كي لا يمنحني الفرصة أن أتخير ألطف منه ، لا سيما والحديث لقطة منزلية ، كان يجب أن تكون ناضحة بالرقة والحنان .
عدد كبير من الآباء والأمهات يشتكون من فلذات أكبادهم شكوى مريرة ، تتمعر فيها وجوه الرجال ، وتذرف لها عيون النساء ، والحيرة واليأس والتسليم المر والرعب من المستقبل نتائج مخيفة أصبحت تسيطر على نفوس هؤلاء الأولياء الأشقياء بثمرات نفوسهم .
- لم أعد أشعر بالسيطرة على أولادي .
- أصبح القرار النهائي في يد ابنتي وهي لا تزال في سن المراهقة .
- ابني يرد علي بكل تبجح ، ويتهمني بعدم المعرفة بالواقع المتطور .
- أولادي لا يريدون المذاكرة ، ولا يصغون لأية نصيحة مني أو من أمهم .
- أصبح ابني في بيتي كالغريب المقيم في شقة مفروشة .
- أتلفت في حاجاتي فلا أجد من يعينني من أبنائي .. فأتحسر على حالي .
- لقد عجزت عن إقناع ابني بالصلاة في المسجد .
- الرفقة السيئة تلتف على قلب ولدي كالحية ، وليس في يدي أي حل مجد.
- الأولاد يعيشون أكثر يومهم مع الإنترنت بكل تفاهاته ، وليس بثقافاته ، أو مع مهاترات الفضائيات .. والفاتورة تعدت حاجز الألف .
- أحس بأنني بعيد عن كل واحد منهم ، وأحس ببعد كل واحد منهم عني.
كل أب أو أم يرفع دعوى التمرد هذه ، ويعدد صوره الممضة ، ويكثر من التشكي،دون محاولة للبحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة المدمرة لبنية الأسرة.
إنها قضية هائلة لا يمكن لمقالة ـ كهذه ـ أن تضع حلا جذريا لها ، فالأمر يمس أهم العلاقات في دنيا الإنسان ، والتي تؤثر سلبا أو إيجابا على سلامة المجتمع تأثيرا مباشرا ، فالإنسان المرجو لبناء مجتمعه وأمته هو ذلك الإنسان السوي نفسيا قبل أن يكون سويا في عقله وجسده ، وهذه الثمرة لا يمكن قطفها إلا من منزل هادئ الأركان ، يتعايش أهله بكل حب وحنان ، ويتربى على الإيمان والاستقامة.
ولا شك أن من أبرز أسباب نشوء الشعور العدواني في نفس الإنسان حياته في جو صاخب ، مقطع العلاقات ، لا يشعر فيه بالأمن النفسي ، والراحة القلبية .
ولذلك فإني أرى أن جذور القضية تعود إلى التربية الأولى ، حيث يوجد خلل في التعامل مع الأولاد في طفولتهم ، تتسع فجوته كلما تقدم الزمن بهم جميعا .
فالدلال الزائد ، أو الغلظة والتسلط ، أو الانشغال التام من قبل أحد الطرفين عن الآخر ؛ كانشغال الوالدين بالعمل نهارا ، وبالزيارات والتسوق ليلا ، أو إشغال الأولاد بالألعاب ومشاهدة التلفاز بشكل دائم ، كل ذلك يؤدي إلى ضعف العلاقات بين الطرفين ، والتشرد النفسي داخل المنزل الواحد .
إلى جانب سبب مهم ، وهو حرص الآباء مع الأبناء ، والأمهات مع البنات على فصلهم منذ الصغر عن جانب الخدمة العامة والخدمة المنزلية ، طلبا لراحتهم ، وتفريغا لهم لدراستهم ، مما يؤدي ذلك إلى ضعف خبراتهم في هذه الجوانب من جهة، وتعودهم على عدم خدمة والديهم وتقدير جهودهم من جهة أخرى .
ولعل أسوأ الأسباب سماح الوالدين أو أحدهما لأحد الأولاد بالتطاول عليهما باليد أو اللسان منذ الطفولة ، إذ يتعود الطفل على ذلك ، ولا يجد فيه غضاضة .
تلك أهم أسباب هذه الظاهرة التي في نطاق الأسرة ، أما الأسباب الخارجية فهي كثيرة ، ومن أبرزها التغير الاجتماعي المطرد ، الناشيء عن تأثيرات الثقافات الوافدة بوسائلها الهجومية المغرية ، والتي سمح الوالدان بدخولها إلى عقر دارهم .
والآن ما الحل أيها القارئ العزيز ؟
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.