لا تستطيع أن تقدر معادن الرجال وهم ينعمون بلحظات الهدوء والاستقرار النفسي ، أو وأنت تقضي معهم ساعات المجاملات الشخصية ، وإنما ينكشف اللباب حين تتحرك المدية ، ويبرق الذهب حين تلفحه النار ، وتتعرى دواخل النفوس حينما توجد الإثارة ، ومناجم الغضب والمصائب هي ميادين الرجولة التي تنكشف فيها قدراتها على الحلم والمبادرة والإمساك بزمام النفس .
يقع الحادث المروري في لحظة ، ولكن تداعياته قد تستمر عند بعض الناس ساعات وربما سنوات . فلماذا ؟
إن كثيرا من الحوادث التي تقع بسبب منا أو قدرا محضا ، يمكن أن نتخلص من آثارها في فترة قصيرة ، بحيث يقبل كل واحد من الطرفين بإصلاح سيارته الخاصة ، أو يعترف أحدهما بالخطأ فيتعهد بإصلاح سيارة الآخر فينصرفا ، أو ينتظرا رجل المرور في جانب الشارع وليس في وسطه ، فننهي هذا التجمهر المتخلف الذي يحوط السيارتين خلال لحظات من وقوع الحادث والذي يستمر مدة طويلة فيعيق المرور ، ويزيد من تأزم الخلاف بين الطرفين .
إن هذا الجمهور غالبا لا يكون جمهورا فاعلا إيجابيا ، وإنما هو جمهور فارغ اليد، لا قيمة للزمن عنده ، لم يقف لمساعدة ، ولا لفك خلاف قد ينشأ بين الطرفين ، وإنما يعدها فرصة للفرجة وإزجاء الفراغ ، والاستمتاع بقضية جديدة ، والدليل على ذلك أنه حين تستدعي الأمور نجدة طفل مدهوس ، أو رجل جريح ، أو امرأة مصابة ، تجد كثيرا منهم يتنصل من هذه المهمة بأوهام الخوف من المسؤولية في الإنقاذ ، وما قد يحصل للمريض في سيارته إذا هو حمله إلى المستشفى ، مع أن إنسانيته ، وقبل ذلك دينه وعقيدته تفرض عليه أن يبادر إلى إنقاذ أخيه المسلم دون تردد ، آخذا في اعتباره كل آداب الإسلام وأخلاقياته في التعامل مع جنس المصاب . كما أنه سيلقى شكر الله ثم أهل المصاب والمسؤولين .
وقع حادث مروري لنبينا صلى الله عليه وسلم روى تفاصيله البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةُ مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ فَصُرِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَرْأَةُ وَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ أَحْسِبُ قَالَ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ لَا وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَصَدَ قَصْدَهَا فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكِبَا فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ أَوْ قَالَ أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ .
وقع الحادث قدرا ، فصبر الرسول على آثاره حامدا ممتثلا ، وجاءت المساعدة الإنسانية سريعة ملتزمة بشرع الله ، فإن أبا طلحة رضي الله عنه حين قصد أم المؤمنين لإنقاذها جاءها مخفيا عينيه حتى لا يرى منها ما لا يجوز له النظر إليه ، حتى سترها بثوبه وأسعفها . قال ابن حجر في فتح الباري : (( لا بأس للرجل أن يتدارك المرأة الأجنبية إذا سقطت أو كادت تسقط فيعينها على التخلص مما يخشى عليها )) .
برقية ..
من كان في عون أخيه كان الله في عونه
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.