لماذا تزوجت ؟

سؤال قد يفاجئ النفس السابحة في فلك الأمل ، الملتقطة أول خيوطه الحريرية بعد انتظار .. سؤال يقول : لماذا تزوجت ؟

حقا إنه سؤال حرج ، مثير للخجل ، ولكني أتجاوز ذلك لأني أرجو أن يكون دافعا للبحث عن مهمة أول الخطوات التي يجب أن يراعيها الشاب عند عزمه على القيام بهذا المشروع الضخم في حياته ، وهو دراسة الجدوى من هذا المشروع تماما كمن يريد أن يقوم بمشروع تجاري يضع فيه كل رأس ماله الذي حصله طوال حياته ، فهو يحسب لكل خطوة يقوم بها ألف حساب ، فلماذا تزوجت ؟

إن الإجابة عن هذا السؤال سوف تأتي بعدة عبارات ، فمنها حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم : (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج )) ، فمن أجل أهداف الزواج قصر النظر على الزوجة ، ومنعه من نظر الشهوة إلى سواها ؛ لتطمئن النفس ، وترتاح من التلهف والركض خلف صورة كل حسناء،  فماذا يجني من يطلق لعينيه العنان في النظر المحرم إلا الحسرة في الدنيا والآخرة ؛ حيث لا سبيل إلى إطفاء نار الشوق المشبوه في الدنيا إلا في إطار الرذيلة ، وهو في الآخرة إثم وخطيئة تنتظر الحساب والعقاب ما لم يتدارك المولى صاحبها بالرحمة والغفران . ويتحقق هذا الهدف بصورة متكاملة إلى حد كبير حين ترضي صورة الزوجة زوجها ، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى المخطوبة في حشمة بحضور أهلها فقال لأحد أصحابه :     (( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )) . والجمال نسبي في كل بلد ، وذوقي في نظر كل رجل ، والعاقل من يختار الجمال في إطار السمات الأخرى التي تتمتع بها المخطوبة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) . فربما تجاوز الرجل عن المثالية التي يبحث عنها في الشكل لما هو دون ذلك بسبب دين المرأة وخلقها .

والهدف الآخر هو تحصين الفرج عن الوقوع في أي سبيل غير الزواج الشرعي مهما كانت صورته ؛ امتثالا لقول الله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}.

ومن الأهداف أيضا : إنجاب الذرية ، وتكوين الأسرة فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم )) . وهو هدف مرهون بالرزق الذي قسم للإنسان ليس لأحد فيه فضل يعود إلى ذاته إلا لله تعالى فهو { يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير } .

وهل هناك هدف آخر من الزواج ، نعم هو ما أشار إليه المولى تبارك وتعالى في قوله: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } .

هذا الهدف السامي إذا قرنته بالأهداف السابقة وجدت أنه أكثر الأهداف مصاحبة لك ، وأقربها إلى قلبك وعقلك ، وأهمها في حياتك ، فلن يكون هناك غض للبصر ، ولا تحصين للفرج ، ولا أولاد صالحي النفسيات ما لم يتحقق هذا الهدف ، وهو السكن النفسي، والاستقرار الشعوري ، حين تمتزج الروحان ، ويتقارب المزاجان ، وتتوحد الأهداف والغايات ، ويحن الزوج على زوجه ، وتتحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها ، فكل من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق ، والأمن عند الخوف ، والبشاشة عند الضيق ، والأنس عند الوحشة ، والألفة بعد الفرقة ، إنها علاقة لا مثيل لها بين إنسانين ، علاقة عميقة الجذور بعيدة الآماد ، أشبه ما تكون بصلة المرء بنفسه كما بينها كتاب الله تعالى بقوله :    { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } .

هذا الهدف بكل أسمائه وسماته هو ما يبحث الإنسان عنه ويسميه السعادة الزوجية .



اترك تعليقاً