تخيل أن هذا السؤال طرح عليك بعد أن بلغت من العمر عتيا !!
ربما كان جوابك : إنني كنت مديرا لكذا ، ورئيسا لكذا ، وخدمت أربعين عاما في كذا .. ثم ماذا بعد .. إنك لم تجب عن هذا السؤال !
ربما كان جوابك : إنني ألفت كذا كتابا ، وكنت عضوا في كذا جمعية، وشاركت في كذا مؤتمرا .. ثم ماذا بعد .. إنك لم تجب عن هذا السؤال !
كل إنسان غيرك يمكن أن يقوم مقامك !
إذا لم تكن قد ابتدعت مشروعا ابتداعا ، أوأسست عملا لم يكن موجودا من قبل ، أو اخترعت جديدا للبشرية ، أو كان لك مشروع ثقافي خاص عرفت به .. فأنت لم تصنع شيئا تضيفه للإنسانية ، بل أنت من بين الملايين السائرين في هذه الحياة بالقدر الذي وفقوا له بما تسمح لهم به مواهبهم وقدراتهم وبيئاتهم .
الواقع أن الحياة تسير بسرعة هائلة لا تعرف البطء ، ومن يسوف فسيجد نفسه فجأة أمام نهاية المطاف دون أن يشعر ، والمبدعون ـ وحدهم ـ الذين يعرفون قيمة الزمن المتصرم ، هم مهندسو الدقائق والثواني ، الذين يعرفون كيف يديرون اللحظات بكل جدارة ، ولذلك يذهل الآخرون وهم يرون إنجازاتهم التي لا تكف عن التبرعم ثم الإزهار ثم الإثمار ، وبينما هم مشغولون بإنتاج الجديد ، ينشغل الآخرون بعد إنجازاتهم أو الحومان حولها تفنيدا أو إعجابا أو دراسة .
إن كثيرا من الناس قد شغل حياته بمشروعات الآخرين ، يتمم لهذا مشروعا ، ويرخص لهذا ساعاته الطوال كي ينجح مشروعا آخر ليس من إنتاج فكره .. وفي ذلك تعاون على البر والتقوى ولا شك ، ولكن الحقيقة أنه سوف يبقى مثل هذا دون مشروع يخصه ، يقدمه لأمته ولمجتمعه .
إذا لم تقف الآن تراجع حساباتك السابقة ، وتفكر مليا فيما ذهب وفيما سيأتي ، وتخطط لحياتك واضعا هدفك الشريف أمام عينيك ، سوف تجد نفسك تسير نحو هوة سحيقة هي النهاية غير المنتجة .
كلنا نغرم بقراءة سير العظماء الذين تقدمت بهم البشرية ، ونالت بهم شرف الاستخلاف ، عمروا الأرض بأمر الله ، واستقبلوا الموت بابتسامة الرضا عن أنفسهم ، والمؤمنون منهم كلهم ظن كبير في الله الكبير أن يتقبل منهم ما عملوا وأن يجدوا ذلك حسنات لا يعرف حدها إلا الله تعالى .
ولعل من أبرز موانع تسنم هذا الأمر هو الشعور السلبي الذي يحسه بعضنا ، بأنه ليس من هؤلاء ، ولن يستطيع أن يفعل شيئا في هذا الاتجاه ، والحقيقة أنه ربما كان بين أعصابنا يجثم عملاق يريد أن يتحرر من ربقة ظلم النفس ، والاستهانة بطاقاتها الكامنة فمتى سنطلقه ؟؟
إن لدى كل مولود طاقة إبداعية رائعة ، اكتشفها بعضهم فسقاها فأورقت ، وغيبها آخرون فماتت .. فلم يخسروا هم وحدهم .. بل خسرتهم البشرية كلها .
نعم يجب أن يكون لك أيها المؤلف كتاب يمثلك من بين عشرات الكتب التي أصدرتها ، وأن يكون لك أيها المهندس اختراعك الذي تسجل له براءة في أكبر المؤسسات العالمية التي تخص اختصاصك ، وأن يكون لك أيها الصحفي عملك الذي لا تشبه فيه الآخرين ، وأن يكون لك أيها العالم أيها الأديب أيها الطبيب أيها ….. مشروعك الخاص بك أنت وحدك .. فهل سوف تبدأ الآن ؟؟؟؟
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.