في اللقاءات المتلاحقة للدكتور البارع ميسرة طاهر على شاشة التلفاز السعودي ، برزت حقيقة مخيفة ، متخفية في أثواب الإعجاب بالنجاح الباهر لهذه الحلقات الرائعة ، التي قدمها مختص في الاستشارات الأسرية ، شابت ناصيته وهو يعاني من الألم الجماعي ، والمشكلات الاجتماعية التي تغص بها البيوت في مركزه الاستشاري بجدة ..
إن التجاوب الكبير من المشاهدين ، والاتصالات المكثفة ، والمواقف التي تعرض ، كلها تشكل ظاهرة مزعجة لا بد أن نقر بوجودها ؛ لنعطيها حقها من البرامج والميزانية ؛ على مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية ، وعلى المستوى الفردي .
( إن الطفل أب الرجل ) كما يقول النفسانيون ، أي أننا نبني رجل المستقبل من خلال هذا الطفل ، فإذا كنا نعاني اليوم من الجنوح الإجرامي في مجموعات شبابية مختلفة الأنماط في الانحراف ، فإن من أسباب ذلك السلوك الخاطيء في التربية التي يتلقاها الأولاد في صغرهم ، يذكر أن أحد الأشخاص كان يرى كثيرا في منامه أنه يقتل أباه ، فيحس بشيء كثير من الألم النفسي ، ويظل يلوم نفسه على تكرار هذا الحلم المزعج ، وحين عرض نفسه على طبيب نفسي ، تبين ـ بعد جلسات عديدة ـ أن أباه كان غليظا جدا معه في تربيته ، واعتاد ضربه ، فأضمر ذلك الولد في داخله ، حتى أصبح راسخا في اللاوعي ، ثم بدأ يتنفس عبر الأحلام المزعجة .
إن لجان الزواج ، ومشاريعه الخيرية التي كثرت في الآونة الأخيرة وتطورت ، ليست مهمتها الوحيدة ـ في وجهة نظري ـ أن تجمع الأموال من المحتسبين ثم توزعها على الراغبين في الزواج ؛ ولكن مهمتها أيضا هي أن تحافظ على هذه البيوت الناشئة من الانهيار .
إن حالات الطلاق في الخليج والمملكة خصوصا ، تتراوح بين 25-50% تقريبا ، وسمعت بأكثر من ذلك ، ومعظم حالات الطلاق تكون في السنة الأولى من الزواج ؛ لأسباب كثيرة ليس هنا مكان سردها ، ولكن لو أن هذه المشاريع أولت قضية التوعية اهتماما خاصا ، لكان ذلك محافظة على إنجازاتها من جانب ، ومن جانب آخر تسهم في تثبيت دعائم الاستقرار في المجتمع ، حين يتربى الولد ـ ذكرا كان أو أنثى ـ بالقرب من والديه ، في ظل تربية قويمة موجهة علميا .
الدكتور ميسرة طاهر ( 56 عاما ) له ثلاثون عاما من الخبرات المتراكمة في هذا الإطار المهم ، ومع ذلك فإن اسمه لم يبرز إلا في السنوات الأخيرة ، من خلال أشرطته ( التربية بالحب ) ، أو من خلال بعض الدورات التربوية التي نشطت أخيرا ، وشفت عن حاجة ملحة لهذا الجانب الأهم في حياتنا الاجتماعية ، وتلك مشكلة أعلامنا ، فهم بين تواضعهم الجم، وغفلة الإعلام عنهم .
لقد التقيته مرة واحدة في مشروع الزواج بالدمام ، فعلمت أن الرجل طاقة غير عادية في مجاله ، إنه يحمل التجربة الغربية في الجانب التربوي والعائلي من خلال دراساته المختصة التي تلقاها هناك ، لتكون رافدا من روافد ثقافته ، وليس لتكون مثار انبهاره بالغرب ومدنيتهم ، ولا ليتشدق بمصطلحاتها وأسماء أصحابها كما يفعل الضعفاء في ثقافتهم الأصيلة ، لقد تغلغلت التربية الإيمانية التي تلقاها في بيئته الخاصة والعامة في نسيج كيانه ، حتى أصبحت ترى آيات الكتاب المبين تتجدد على لسانه ، وكأنك تسمعها لأول مرة ، وتستمع إلى تحليلاته للمواقف التربوية في السنة والسيرة النبوية ؛ حتى تصل إلى حد الذهول .
إن هذه الحلقات لها دلالة أخرى هي أن أصولنا الشرعية ، وتراثنا الإسلامي فيه كثير جدا ـ كما رأيت بنفسي ـ من الحقائق التربوية التي أصبحت اليوم الأساس للتربية لدىكبار المختصين التربويين ، بعد جهد كبير بذلوه في إثباتها ميدانيا ومختبريا ، ومهمة المصلحين هي البحث عن هذه الكنوز، التي ابتعدت عن أيدينا فابتعدت عن تفكيرنا ، فابتعدت عن واقعنا .
أملنا أن يخصص التلفاز السعودي برنامجا دائما لهذا المبدع .. لعل الله أن ينفع به عموم المسلمين عبر الفضاء .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.