خطبة حول الإجازة الصيفية

الحمد لله؛ يعلم ما في السموات وما في الأرض وهو العليم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقُ كلِّ شيءٍ ومليكُه وهو العليُّ الكبير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وطاعته، يقول الله جل وعلا:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران 102].

أيها الإخوة المؤمنون: وينقضي موسم الامتحانات، وترفرف بشائر النجاح في أجواء بيوت المجتهدين الذي وفقهم الله تعالى لذلك، ويلتفت الطلبة بعد آخر يوم فيجدوا أنفسهم في فراغ سحيق، بعد أن كانوا لا يجدون دقيقة واحدة فارغة، ويبدأ التفكيرُ في طريقة قضاء إجازةٍ تستمر شهرين متتابعين، نعم إن الإجازة الصيفية هي أطول مده فارغة في العام، تحتاج إلى تخطيط سليم لملئها بالخير، حتى لا تملأَ بالشر، وحتى لا تضيع من سجلات حياتنا وحياة أولادنا دون جدوى، وقد علمنا بأننا سنحاسب عليها فإنه “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيمَ فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه”، [رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح]. وهي لا شك جزء من العمر لا يُستهان به.

ولعل أبرز فئة ربما تعاني من هذا الفراغ فئةُ الشباب، الذين لم يتسلموا أزمة المسؤوليات الاجتماعية بعد، فهم مسؤولون عن أنفسهم فقط؛ ولذلك فإن من واجب الوالدين أن يبحثا بجدية عن الوسائل السليمة للاستفادة من فراغ أولادهم، وهذه اقتراحاتٌ سريعة أترك لكم التفصيل في شؤونها الصغيرة، وتفريعاتها الكثيرة:

أولًا: أن يحرص الآباءُ على الإفادة مما تيسر في المجتمع من مؤسسات تهدف لإشغال فراغ الطلبة وربما غيرِهم بالخير والأجر، ومن أبرز هذه المؤسسات جمعياتُ تحفيظ القرآن الكريم وتعليمِه، التي امتدت حلقاتها إلى كثير من مساجدنا ولله الحمد والمنة، فكن أنت أيُّها الأبُ الكريمُ الحريصَ على تسجيل ولدك فيها، وتابع حفظَه بنفسك، وقدم له الهدايا حين يُنجز جزءًا من القرآن الكريم، فإنه إذا أتم الحفظَ فسوف تحظى بإذن الله تعالى يوم القيامة بهذا الفضل العظيم الذي قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: “من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجًا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حُلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كُسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدِكما القرآن” [رواه الحاكم].

والفرصة الثانية: ما تقوم به عدة مؤسسات تعليمية وتربوية واجتماعية وأسرية وتدريبية من أنشطة صيفية في كل مدينة وقرية، يقوم عليها عدد من الأساتذة والمربيين، والمهرة في فنون نافعة، فاحرص على تسجيل ابنك وابنتك فيها ما دامت تقدم النافع من البرامج العلمية والترفيهية.

ثانيًا: إذا كان أولادك ممن لا يرغبون مهما رغبتهم في حلقات القرآن الكريم أو المراكز الصيفية، فحاول أن تشغل الكبار منهم بعمل وظيفي، وتنظم لأسرتك كلها برنامجًا منوعًا في المنزل، يشمل قراءة القرآن كل يوم ولو زمنًا يسيرًا، وطرح منافسة على قراءة كتاب نافع، أو قصص ميسرة للأطفال، ترصدُ لها بعض الهدايا والجوائز، دون تكلفِةٍ كبيرة، واجعل لهم جلسة أو جلستين كل أسبوع تعلمهم فيها فقه أنفسهم، وما يحتاجون إليه في عبادتهم، وتقرأ معهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واستفد لاستيعاب جزء من فراغهم من الوسائل الحديثة، كالمواد المسموعة والمرئية التي تحتوي مواد ثقافية أو ترفيهية نافعة غير ضارة، يرضاها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وابحث عن الفرص التدريبية في مجالَي الحاسوب واللغة الإنجليزية؛ لما لهما من قيمة كبرى في سوق العمل اليوم، ولكونهما أصبحا من أبرز ما يتعلمه أولادنا في المدراس والجامعات.

ثالثًا: إن أولادك بل وأسرتك كلها تنتظر الإجازة من أجل أن تصحبَك إلى حيث الجو الممتع، والمناطق التي متعها الله بالجمال الأخّاذ والمناظر الخلابة، والإنسان مفطور على حب الجمال، ونشدان الراحة، فإذا كنت ممن يسر الله عليك بالمال، وعزمت على السفر معهم، فإني أهدي إليك بعض النصائح التي أرجو أن يتسع صدرك لها:

أما الأولى: فهي أن تجعل سياحتك في بلدك، فهي أولى بمالك من غيرها، وإذا علمت أن مليارات الريالات تنفق سنويًا من أبناء هذه البلاد في المناطق السياحية الخارجية، فإني أتوقع أنك ستسهم في تخفيض هذه المشكلة بأن تتوجه إلى منطقة من مناطق مملكتك الحبيبة، ففيها ما لا تجده في غيرها من أمن واستقرار ومتعة مباحة.

ولعل أول ما يشدك عند سفرك الأماكن المقدسة، فإنه على الرغم من مناخها الحار، فإنها تستقطبك برُوحانية أجوائها، وانجذاب قلب المؤمن إليها، والأجور العظيمة المضاعفة التي ستحصل عليها بفضل الله، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) متفق عليه.

وأما المناطق الباردة فهي متعددة كالباحة والطائف وأبها وغيرها، وأجمل ما فيها أنك تذهب فلا تحس أنك ضحيت بشيء من دينك من أجل المتعة، فالمساجد في كل مكان، والأمن والراحة النفسية التي تفتقدها في كثير من المناطق السياحية في العالم ستجدها هنا، ومالك ينتقل من جيبك إلى جيب أخيك المسلم، وتنجو ـ بإذن الله تعالى ـ من حبائل لصوص المال والدين الذين نصبوا شباكهم للسائحين المسلمين في كل مكان في العالم.

أخي وإذا أبيت إلا أن تسافر خارج حدود وطنك فليكن في بلد مسلم، ولتكن إقامتك في المناطق الأكثر محافظة على القيم والفضائل، واتق الله في أولادك وأسرتك، فلا تذهب بهم إلى متعة محرمة مهما رغبوا فيها؛ فإن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]. {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النــور: 31].

 

الخطبة الأخرى:

الحمد لله أولاً وآخرًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد فاتقوا الله تعالى، وأطيعوه.

أخي ولي الأسرة، كن صديقًا لأولادك، واجعل جُلَّ ذهابك وإيابك معهم، واعلم بأن الإجازة لطولها، وتباين أوقات اجتماع أفراد الأسرة فيها، فقد تُنبت مشكلاتٌ عويصة، يكون لها امتداد، من بينها: التعرف على أصدقاء السوء، الذين قد يصلون بالولد إلى العلاقات والممارسات المحرمة، أو إدمان التدخين والمخدرات، التي تعني الضياع، وفقدان الشخصية، فلا تدع مشكلات الحياة وبريقَ الدنيا وأعمالها تبعدك عن أسرتك، كن قريبًا من أسرتك، وتعرّف على مشكلاتهم، وتبنَّ مواهبهم، وتمثل قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: ” كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته”، فإن هؤلاء الأولاد أمانةٌ لدينا، ونعمةٌ من الله فيجب أن نحفظ هذه النعمة ونشكر الله عليها.

أيها الأب: ماذا لو اكتشف الوالدان أن ابنهما قد تورط فعلاً في استخدام المخدرات؟

إن هناك عددًا من الخطوات المهمة التي يؤدي اتباعها ـ بإذن الله ـ إلى إدراك الابن قبل أن يهوي إلى الإدمان:

الأولى: مواجهة الابن مواجهة صريحة، نابعةً من الأعراض التي ظهرت عليه، وأن يقوما بدور المعالج النفسي الذي يعنيه معرفة الحقائق والأسباب، وأن يشعراه بأن الإدمان مرض يمكن علاجه مبكرًا بإذن الله تعالى.

الثانية: الإسراع في إجراء التحاليل المخبرية المختلفة؛ لبيان حقيقة الوضع، والتي توفرها مستشفيات علاج الإدمان.

الثالثة: معاملة الابن معاملة حسنة، لكسب قلبه، دون تحقير، حتى لا يترك المجال أمام أصحاب السوء للاستحواذ على قلبه، فربما ينفر إليهم هاربًا من الأسرة. والعمل على تنشيط إرادته وتشجيعه، والاستعانة بالله بالصبر على العلاج.

الرابعة: شرح تأثير المخدرات على أجهزة الجسم المختلفة، وآثارها الخطيرة في المستقبل، والدمار النفسي والصحي، والمنزلة الاجتماعية.

الخامسة: توجيه الابن توجيهًا دينيًّا، بربطه بالمسجد بصحبة والده، وإذا تحسن بالاقتران بالصحبة الصالحة، وتوفير جو خال من المنكرات في المنزل، ولاسيما ما يعرض في الأفلام والمسلسلات من صور استخدام المخدرات والتدخين، فهي من أبرز ما يغري الشباب بالإدمان.

السادسة: عرض الابن على طبيب نفسي إذا لزم الأمر، والاستجابة لتوجيهاته.

أيها الإخوة المؤمنون: إن مجرد هذا العرض لن يكون له جدوى إذا لم يتحول إلى تحمل كامل للمسؤولية، قبل أن يعضَّ المفرط على يديه، ويفقدَ حياةَ ولده، أو تمسخَ شخصيتُه، فإن درهم وقاية خيرٌ من مليون درهم علاج.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء دينك أجمعين، اللهم انصر مجاهدينا في الحد الجنوبي وفي كل مكان، اللهم دافع عن المستضعفين المسلمين في الأرض ليس لهم سواك يا رب العالمين، اللهم من كاد للمسلمين فكده، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا له، اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.

اللهم بارك في أولياء أمورنا وأولياء أمور المسلمين، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم أحيي بهم سنن الهدى، وادفع بهم كل بدعة في الدين، واحم بهم الذمار والديار.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا ولجميع المسلمين، الأحياءِ منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذُ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحمِّلنا مالا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.