من طبيعة الحياة أن تجد من تختلف معه ، ولكن بطبيعة الحال أن يختلف معك ، ولكن الحالة التي أعرضها هنا ، هي المخالفة الأحادية .. !!
لقد سمعنا كثيرا عن الحب من جانب واحد ، ولكننا لم نسمع من يتحدث عن الحقد من جانب واحد .. مع أنه مرصود تاريخيا في حياة كثير من الشخصيات .
القلوب الكبيرة لا تحقد .. هكذا تعلمت في مدرسة الحياة .. وكلما ضاقت النفوس وجد الحقد فرصة للنمو في جحورها أكثر .. لا أدري لماذا ؟ هل لأن الحقد سوءة يحرص على أن يختبيء عن عيون الناس ؛ حتى لا يكتشف ؟! ربما !!
ولكن لماذا الحقد ؟
هل هو حسد متراكم عبر الشهور والسنين ؟
{ أهم يقسمون رحمة ربك .. نحن قسمنا بينهم معيشتهم } !
هل هو شعور بالدونية وتعويض عنها بالحقد على الناجحين ؟!
{ ولقد كرمنا بني آدم } !
هل هو إحساس بضيق الحياة ، فلا يمكن أن تتسع له ولمن يحقد عليه ، فليحاول إذن إزاحة الآخر ليبرز هو ؟
{ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } .
هل هو موقف اتخذه الحاقد وتورط فيه حتى عرف به ، فلم يجد له قيمة إلا به ؟
{ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } !
هل هو أسلوب من أساليب تحقيق الذات المغربة ، وإشباع جنون العظمة ؟
{ إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } !
هل هو وسيلة للصعود على ظهور المشاهير بعد الشعور بالإفلاس ؟
{ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } !
إن الحاقد من هذا النوع لا يمكن أن يعيش حياة هانئة ، بل إن حياته كلها تتحول إلى ردود أفعال ، فهو يتعلم ؛ ليكون أعلى رتبة من محسوده ، ويحرص على المناصب العليا؛ حتى لا يترك فرصة لمن يحقد عليهم ، ويصنع علاقات مع الآخرين ؛ ليكون مجموعة مضادة لمحسوده .
وهنا خطورة بالغة على من يلتفون حول الحاقد ؛ حيث يبدأ في تشكيلهم مؤسسة حقد ، تشحن بالأساطير العريضة ، المبنية على حقائق ملوية الأعناق ؛ لتوافق هموم الحاقد نفسه ، فيوجههم حسب رغباته الشخصية ، ويجير نشاطهم لتحقيق أهدافه العدوانية .
إنهم أصبحوا مجرد أدوات في يد إنسان يشعر أنه موتور بسبب مصنوع في تنور التنافس غير البريء .
والعجيب أن المحسود يكون في منأى عن كل ردود الأفعال تلك ، لأنه مشغول بـ( الفعل ) ، لا ( ردود الفعل ) . وهنا تحدث مشكلة جديدة ، هي أن المحسود يستمر في التفوق والارتقاء ، بينما يبقى الحاقد رهينة حقده وحسده .. وصورة محسوده تتضخم في ناظريه حتى تسد عليه الأفق فلا يرى سواها في يقظته وحلمه .
حقا .. حين تسمع هذا التحليل ينتابك شعور بالشفقة على هذا الحاقد الذي عاش شبابه بل حياته مريضا بمحسوده ، مكبلا بإنجازاته ، معللا نفسه بمجموعة من الأعذار التي لا تزيده إلا مراوحة في المكان نفسه الذي يتحرك فيه . ولا سيما إذا علمت بأنه يمتلك طاقة ، لو أنه سخرها في العمل الجاد البعيد عن كل التوترات لكانت له بصمته الخاصة به ، ومشروعه الذي يتميز به .. والله المستعان .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.