كان من الطبيعي أن تسير خطا التوسع في التعليم الجامعي في الفترة الأخيرة بسرعة تتناسب مع إلحاح الحاجة إلى ذلك ، فآلاف الطلبة والطالبات يتخرجون سنويا من الثانويات ، ولا تتحمل طاقة الجامعات الموجودة حاليا إلا جزءا منهم ، مما يؤدي إلى تكدس مطرد للأعداد ، ولا يحل التسجيل في الفصل الدراسي الثاني إلا جزءا من المشكلة أيضا .
وهنا تنشأ مشكلات كثيرة ؛ منها مشكلات أمنية ؛ حيث يبقى عدد كبير من الشباب والفتيات في فراغ مخيف ، ربما يقضيه بعضهم بين يدي فضائيات ومواقع عنكبوتية تعلم الجريمة والانفلات الخلقي ، ويكون التطبيق على الواقع مرعبا ومربكا للحياة الأسرية الخاصة والحياة الاجتماعية العامة ، والدراسات تثبت ذلك بقوة ، ومشكلات أخرى نفسية ؛ حيث يشيع بين هؤلاء إحساسات مرضية عديدة ؛ مثل : الإحباط ، واليأس ، والحقد على المجتمع ، والنظرة الذليلة للذات ، وتفتح المجال أمام مشكلات اجتماعية معقدة في تدمير العلاقات الأسرية بين الآباء والأولاد ذكورا وإناثا ..
وهذا ما جعل التوجيهات السامية تتقارب نحو إيجاد حلول سريعة ودائمة ، وليست تلفيقية ، كان منها إنشاء عدد من الجامعات ، وتحويل عدد من الفروع إلى جامعات أيضا ، وهذا التوسع الأفقي يمكن أن يجاوره توسع رأسي ، وأعني به تشغيل الجامعات الموجودة حاليا بجميع طاقاتها ، ولذلك صور عديدة ، أذكر منها ما يلي :
- إقامة دراسة مسائية موازية للدراسة الصباحية تماما ، في كل كلية ، مما يجعل الفرصة متاحة أمام الكلية أن تضاعف عددها ؛ طلابا وأساتذة ؛ وفي ذلك فرص وظيفية وافرة بالتوسع في قبول المعيدين لإعدادهم ليكونوا أعضاء هيئة تدريس في المستقبل القريب بإذن الله ، وفرص دراسية كبيرة من جانب وقليلة التكلفة من جانب آخر قياسا لإنشاء جامعة جديدة ، فمن الملاحظ أن معظم المباني الحكومية ولا سيما الدراسية منها خصوصا لا تستغل سوى ربع اليوم أو ثلثه على الأكثر ، بينما نستطيع من خلال هذا الاقتراح أن نستغلها استغلالا مضاعفا بدلا من بناء جديد. كما يمكن أن تضاف الساعات الدراسية المدفوعة في جداول الأساتذة الراغبين في ذلك بدلا من اللجوء إلى التعاقد للتغطية الكاملة ، وفي ذلك توفير مالي كذلك ، وفرصة ليبقى المال الوطني دائرا داخل الوطن بدلا من تهجيره .
- التوسع في قبول الانتساب في الأقسام العلمية المناسبة لذلك ؛ بدلا من التضييق الأكاديمي في عدد من التخصصات ، الذي جعل أبناءنا وبناتنا يهربون إلى جامعات عالمية وعربية ، تستنزف أموالهم وأوقاتهم ، وتعرض حياتهم للشتات الأسري والمادي وربما الفكري كذلك .
- إقرار التعليم عن بعد بشروط وضوابط تضمن صحة الإعداد الجامعي للطالب والطالبة ، وربما كان هذا أنسب لكثير من الموظفين من الرجال الحريصين على تنمية أنفسهم علميا ، وللمرأة المتزوجة التي تطمح في المزيد من الدراسات ، ولكنها لا تستطيع ذلك ؛ لحرصها على أداء واجبها الأول ، وهو بيتها وزوجها وأولادها .
- توجيه الجامعات والكليات لتحجيم التخصصات التي اكتفى منها سوق العمل أو يكاد دون إغلاقها ؛ لضمان استمرار سد الحاجة من التخصص ، ثم التوسع في قبول الطلبة والطالبات في الأقسام ذات التخصصات التي لا تزال تتطلب مزيدا من الأعداد ، ويتخذ في ذلك قرارات أكثر جرأة .
هذه بعض المقترحات التي أتمنى أن تدرس دراسة متكاملة الجوانب ؛ فلعلها تسهم في حل المعضلة المتجددة . والله من وراء القصد .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.