كل يوم تتلقى وزارة التربية والتعليم فطورا صباحيا يقدر بثلاثين ورقة على الأقل، طبخت في أفران عالية الحرارة، تمثل عقولا تمتلك حرية التفكير والتعبير من جميع مناطق المملكة، وتقدم على طبق من ورق صحفي ساخن.
أرادت الوزارة أن تلقى هذه الأقلام على الطاولة المستديرة، فدعت عددا منهم، لتستمع منهم مباشرة، ولا أدري كيف اتفقت الأمور ليكون الحضور الأغلب، ثم إعطاء الوقت ( المتميز ) من سعادة مدير اللقاء لأصحاب آراء متفقة على قضايا ليست محل اتفاق على الساحة التربوية والتعليمية، ثم حرم وكلاء الوزارة الذين يمثلون جميع مرافقها من حقهم في مناقشة الآراء المطروحة ، فخسرت الوزارة فرصة إيصال صوتها مرة أخرى إلى هؤلاء حتى شكا بعضهم ذلك بكل صراحة أمام الجميع، فهل كان هدف اللقاء مجرد الاستماع لتلك الآراء على الهواء مباشرة، بعد أن كانت تتلقاها عن طريق الزوايا الصحفية؟ فتكون قد حققت هدفا غير مجد كثيرا ، أو أن مجرد الاجتماع والالتقاء يمثل هدفا في حد ذاته .. ربما !!
الحقيقة أن الاجتماع كان مهما للغاية، وينبغي أن يكرر، وأن القضايا التي (أثيرت) كان يجب أن تطرح للنقاش والحوار الهاديء الكافي للإقناع أو الاقتناع، وأن من حق الرأي والرأي الآخر أن يأخذ كل منهما قدرا كافيا لطرح وجهة نظره دون تكرار، كما أن الكتاب والكاتبات ـ في واقعهم على خارطة الصحافة في المملكة، لا كما حضروا ـ لا يمثلون بعدا فكريا واحدا فكان لا بد أن تتاح الفرصة لهم أن يختلفوا ، وأن يطرح الرأي الذي يدافع عن الوزارة ما دام منهجها في هذا المطروح صوابا ومناسبا للمرحلة التي نمر بها، لا أن توضع في قفص الاتهام ويدعي بعضهم أنها لم تقدم شيئا. فقد كان عدد من الآراء يتجاهل حقائق لا تخفى من أجل أن يحقق هدفه ، فهل يعقل أن يجهل كاتب أو كاتبة أن مدارس تحفيظ القرآن الكريم الابتدائية والمتوسطة تدرس العلوم والرياضيات ، وأن من حق خريجها أن يدخلوا المرحلة التالية بكل حرية واختيار، وما ذلك إلا لمهاجمة وجودها أصلا، وما دخل القضاء وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قضية التعليم ليجتلب ذكرهما من أحد الكتاب بأنهما ليسا أكبر من النقد، ولماذا هذه المطالبة الساخنة لإلحاق المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالوزارة ، ولماذا يتدخل غير الشرعيين في قضايا شرعية شائكة ليطالبوا الوزارة بإثبات الرأي الذي اختاروه هم دون غيره، فأين احترام التخصص ، واحترام الرأي الآخر؟
وإذا كنت مع هؤلاء الكتاب في أن مناهجنا مكتظة بما يحفظ، وأنها أكثر من أن تستوعب لمعظم الطلاب، فإن محاربة قضية (الحفظ) نهائيا أمر في غاية الخطورة، فإن الفهم أساس في التفكير والتطوير، وتعلم المهارات هو المقدم بلا شك، ولكن هناك مقررات دراسية لا بد فيها ـ مع الفهم والاستيعاب ـ من حفظ النصوص، مثل العلوم الشرعية والعلوم العربية، وقد قالت بذلك كل الحضارات على تعاقب الدهور، ولا يستغني طالب علم في كل فهم من حفظ نص أو قاعدة أو نظرية أو معادلة (فاحفظ فكل حافظ إمام).
وقد طرحت في اللقاء عدة أمور ؛ بالطبع كان الوقت غير كاف لإيضاحها ولا للاستماع لرأي الوزارة فيها ، كان منها تقرير اللغة الإنجليزية في الابتدائية ، وأنه كان مطلبا مهما وقد تحقق في الصف السادس ، ويرجى التدرج النازل في تقريره ، ولكن الوزارة لم تؤهل المعلم ولم تؤهل التقنية في المدرسة لتعليمها بشكل صحيح، فكانت النتيجة أن وقع العبء في التعليم على المنزل الذي قد يضطر إلى إحضار معلم خصوصي!!
كما أن التقويم المزمع تطبيقه على بقية الصفوف العليا في الابتدائية يمثل خطورة بالغة، إذ إن الوزارة لم تقم أيضا بتأهيل جميع معلمي الابتدائية للقدرة على هذه العملية الهائلة التي تمثل مستقبل وطن كامل، فالتعليم الابتدائي يمثل التعليم الأساس، فإذا نجح الضعيف ، وأحبط القوي ، فالنتيجة واحدة على وطن ينتظر نضجا وقوة من الجيل الجديد؛ ليكون قادرا على مواجهة تحديات العصر، وليعيش متفائلا إيجابيا.
المعلم يصل نصابه إلى أربع وعشرين حصة في الأسبوع، في فصل يزيد عن أربعين طالبا، وبالطبع يزيد عن خمسين في بعض الحالات، فهل يمكن أن يقوم بالمهمة التربوية والتدريب على المهارات، أم أنه سيكتفي بالمحاضرة والتلقين والمحاسبة الجسدية لينفس عن الضغط النفسي الذي يحس به؛ ثم نشكو من ضعف مخرجات التعليم !
كثيرون رأوا أن اللقاء يعد عربونا للقاءات قادمة يجب أن تتكرر ، وأن يراعى فيها التنوع الفكري، وإتاحة وقت طويل ليوم كامل ، تقام فيه ورش عمل ويوحد الموضوع، فقد عرضت في اللقاء عشرات الاقتراحات والاعتراضات والمشكلات ، بحيث خرجنا دون أن نتفق على شيء واضح.
أتوقع أن الوزارة سوف تستثمر هذا اللقاء للتفكير الجاد فيما طرح على أن تنأى بنفسها عن خلاف الأطياف والتوجهات؛ لتنظر في مصلحة الوطن، المبنية على التمسك بشخصيته العظيمة، بوصفه بلد الحرمين الشريفين ، ومهبط الوحي، والممثل الأول لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.