تمثل النفايات مصدرا من مصادر الدخل الوطني، حين تتحول إلى مشروع مدروس بعناية، يحقق عددا من الأهداف بعمل واحد. ولكنه لا يزال مهمشا في بيئتنا، يسير ببطء، أو بتطبيق بدائي يجعل منه تشويها للحياة بدلا من أن يكون حفظا لمادتها.
(حفظ النعمة) أساس في دوامها، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [سورة إبراهيم 14/7]. وهو ما يجري اليوم في الدول الصناعية، ولا نهتم به في بيئتنا. ولعلنا ـ نسبيا ـ أكثر دول العالم نفايات، لأننا نشتري أكثر مما نستهلك، ونطبخ أكثر مما نأكل، ولا تلبث ملابسنا تتبدل على أجسادنا وهي لا تزال في حكم الجديدة.
وكثيرا ما تنادينا للبحث عن مصادر أخرى للدخل غير البترول، لتأمين مستقبل أحفادنا، ولكننا لا نبذل في هذا الاتجاه ما يكفي من توعية وأبحاث. وخاصة أن الموارد الطبيعية في تناقص مستمر وأسعارها في ارتفاع متواصل.
نعم يمكن الاستفادة من النفايات بدلاً من التخلص منها بطرق مؤذية للإنسان، ويمكن أن تتحول إلى مشاريع استثمارية كبرى، تحفظ هذه المواد من التحلل أو التراكم السئ، وتحفظ آلاف الشباب بالوظائف اللازمة لها، وتضيف إلى الحياة قيمة؛ باستثمار ما كان يتلف دون فائدة.
هناك محاولات فردية للقيام بهذا العمل المتوافق مع شريعتنا، التي تحث على النظافة العامة بإزالة الأذى عن الطريق، وعلى الصدقة بالموجود، محاولات تجارية أقامت مصانع، ومحاولات خيرية، يقف دورها عند حث الناس على التصدق بمخلفاتهم.
المحاولة الأولى تحتاج إلى توسع ودعم، واستيعاب أكبر لما يلقى يوميا من مئات الآلاف من الأطنان، والمحاولة الثانية في حاجة إلى تقويم وتطوير.
المشروعات الخيرية التي بدأت باستثمار هذه الفكرة تدور ـ فيما رأيت ـ على محورين، الأول: جمع الملابس وإرسالها (كما هي) إلى الخارج، بعد تنظيفها وشحنها بطريقة مناسبة للدول المستفيدة منها استفادة مباشرة دون إعادة تصنيع. والآخر: جمع الألمنيوم والكراتين والألبسة غير الجيدة؛ لتباع إلى مصانع تدوير النفايات ومعالجتها؛ ليعاد تصنيعها. وكلتا الفكرتين رائعتان، ولكن المشكلة تكمن في آلية التنفيذ للمشروع.
كلا المحورين ينتهج أسلوبا واحدا هو وضع صناديق حديدية على الأرصفة في أبرز شوارع المدينة، تكتب عليها عبارات وعظية؛ تحث على المشاركة، وتومئ إلى قيمة المشروع.
وقد مررت على بعضها فوجدتها تمثل مصدرا من مصادر التشويه الحقيقي لوجه المدينة المتجمل بالورود والأشجار، وذلك حين تكون جدران الحاوية مصنوعة من شبك حديدي تنكشف فيه كل الملابس والنفايات القذرة أو القديمة؛ فتثير الاشمئزاز للرائي، ويزيد الأمر سوءا حين نجد من العمال ـ لا أدري أهم من المؤسسة نفسها أم من العمالة السائبة ـ من ينزل في الحاوية، ويخرج الملابس بفوضوية، وينثرها على الرصيف بغية فرزها، ولك أن تتخيل وتتقزز كما تشاء من بشاعة المنظر، وسوء المنقلب، ثم ترثي لحال الجمال المدني الثكول!! بل لتثور الأسئلة في نفوس الوافدين من تلك الدول التي ترحل إليها بعض هذه الملابس.. أهذا مصدر ما يرسل إلينا؟!
ومررت على بعضها فوجدتها تضيف لمسة من لمسات الوعي الحضاري لبلادنا، فالحاوية جميلة المنظر، مغلقة من جميع الجهات بصفائح مدهونة بأناقة، ما عدا المكان العلوي لها؛ الذي تغيب فيه الملابس ولا ترى إلا حين تقلب في السيارة الخاصة في لحظات؛ ليتم الفرز في المصنع آليا، وقد تزينت تلك الحاويات ببعض العبارات التوعوية المفيدة؛ وبهذا نسهم في جمع هذه الملابس، واستثمارها، دون أن نخدش حس المدينة النامية في طريق الرقي والجمال.
لمحة تسويقية:
يقول المختصون: يمكن أن تسهم الدولة في مشاريع معالجة النفايات عند تحويلها إلى القطاع الخاص من خلال طرق متعددة وهي؛ القروض، والمساعدة الفنية، والمساهمة في رأس المال، واستئجار المعدات، ودعم المكافآت والرواتب للعمال.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.