في الأسبوع الماضي عرضت لقضية بت أحسبها من الأهمية بحيث لا أجد عذرا لمن يتجاهلها ، وهي ضرورة الالتفات إلى العمل الخيري بشقيه ؛ الرسمي من خلال المؤسسات الخيرية بكل أنواعها وخدماتها ، والذاتي ، أعني الذي يجعل لكل منا دوره المهم في المشاركة في البحث عن الفقراء ، وتلمس احتياجاتهم ، والبذل لهم بالمعروف ، وحض المحسنين على مساعدتهم ، وتعريف المختصين في تلك المؤسسات بهم .
وخلال قراءتي لكتاب لا تهتم بصغائر الأمور مع أسرتك للدكتور ريتشارد كارلسون تفاجأت من هذا الكاتب الذي يخالفنا في معتقدنا أنه يطرح فكرة رائعة ، كنت قد جربتها جزئيا مع أولادي ، وهي التي تتكثف في عنوان مقالته ( اشترك مع عائلتك في مشروع خيري ) ، ويدعو فيها الآباء إلى التشاور مع أطفالهم في نوع العمل الخيري الذي يودون الإسهام فيه ، ومن هو اليتيم الذي يساعدونه ، وإذا استطاعوا فليتعرفوا عليه ، بل ليكتبوا هم الشيك ، ويضعوه بأيديهم في البريد .
الواقع أن أساليب مشاركة الأطفال والأسرة كلها في العمل الخيري كثيرة جدا ، منها أن يقوموا بتوزيع الأطعمة والملابس على بيوت الأسر المحتاجة ، وأن يقوموا بزيارتهم للاطلاع على أحوالهم عن كثب ، وأن يتبرعوا لهم من مصروفهم الخاص ، وأن يقوموا بدعوة الآخرين للتبرع ، أو أن يقوموا بالمشاركة في تهيئة المواد التي يمكن توزيعها ، أو يشاركوا ـ عمليا ـ في الفترة التي تحتاج فيه جمعية البر الخيرية أو نحوها إلى جهود مكثفة لإيصال المواد المتبرع بها إلى محتاجيها إذا كانوا شبابا ؛ كأيام رمضان ، والعيدين ، وبداية الشتاء ، وأول الفصل الدراسي ، ونحو ذلك ، ووضع صندوق خاص بالتبرعات داخل المنزل للقروش أو الريالات ..
المهم أن يوجد هذا الهم في نفوس جميع أفراد الأسرة ، وأن يصبح العمل الخيري جزءا من البرنامج اليومي أو على الأقل الأسبوعي لكل منهم ، وفي ذلك فوائد كثيرة ؛ أولها : ما يبتغيه المؤمن عند الله من ثواب أخروي أجملته وفصلته مئات الآيات والأحاديث الشريفة ، وثانيها : تربيتهم على حب العطاء والسخاء والكرم ، وأزعم أن السخاء يحتاج لدى غير المفطور عليه إلى تدريب ، ثم ينطلق :
تعود بسط الكف حتى لو انه أراد انقباضا لم تطعه أنامله
وقد شاهدت محسنين يفرحون بالعطاء كفرح غيرهم بالأخذ ، وثالها : تعريفهم نعم الله عليهم حين يرون بيوتا دون مستوى بيوتهم ، وأقرانا لهم لا يجدون ما يكسون به أجسادهم ولا ما يلتحفون به في برد الشتاء ، هناك سوف يحس كل منهم بقيمة بطانيته إذا قربها من جسده حين يتذكر أن هناك من يفقدها ، وبقيمة ثوبه الشتوي الدافيء إذا استعادت ذاكرته مناظر الأطفال والشيوخ وهم يرتجفون في ثيابهم الخفيفة . وأما رابع هذه الفوائد فقد ذكره الكاتب المذكور آنفا (( لا يوجد شيء يؤدي إلى ترابط العائلة أكثر من العطاء ، وقد وجدنا أن اشتراك العائلة في عمل خيري طريقة جيدة لتحقيق هذا الهدف)).
وهنا أطرح فكرة لعلها تجد صدى عندك ـ أخي القاريء ـ وهي أن تقوم بالبحث عن أسرة محتاجة عن طريق الجمعيات الخيرية أو بنفسك ، وتكفلها ، بحيث يكون عددها مناسبا لدخلك الشهري الثابت ( فردان ، ثلاثة ، أو أكثر ) ، وتتفق مع جمعية البر التي في قطاعك على هذه الكفالة ، إما ماليا ، أو تقوم بالرعاية المباشرة إذا كان وقتك ووضعك الاجتماعي يناسب ذلك . ولا تنس أن تحتسب كل حركاتك وسكناتك عند الله ، وأن تجعل ذلك من خبيئاتك ؛ حتى لاتهدم بنيانك ، وتحرق زرعك بنار الرياء أو العجب .
بصمة
يقول د. ريتشارد :
لا شك أن العالم سيكون أفضل إذا قامت كل عائلة بالدور الصغير المطلوب منها .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.