أكثر من ثمانية وعشرين ألف عقد طلاق في سنة واحدة في بلادنا، يكفي ليضع ملف الطلاق في مقدمة القضايا التي تحتاج إلى دراسات ومشروعات يدفع بها الإخلاص للتصدر، أكثر من أي دافع آخر.
إنها كلمة مخيفة جدا، تنذر بأوجاع نفسية رهيبة، وشروخ في جسد الأسرة السعودية تهدد البنية الأمنية في النفس الإنسانية، ومن ثم الأمن الوطني برمته.
الطلاق ليس تفريقا بين زوجين وحسب، بل هو شبح رهيب؛ قد يؤدي إلى الفقر، وإلى الانحراف، وإلى الجنوح والجريمة، وإلى الخلافات المستعصية بين الأسر حول الأولاد والنفقة والحقوق، وإلى الانكسار النفسي والاكتئاب، وإلى الأمراض النفس بدنية، وإلى العنوسة، وإلى النظرة الانتقامية للمجتمع كله، وإلى التأخر الدراسي، ومن ثم التخلف الوظيفي، ومن ثم البطالة، إلى أمور كثيرة في غاية الخطورة.
ونظرة إلى آثار الطلاق بهذا الإجمال، نرى أن أمره يعني معظم الوزارات ويَشْغَلُها، ظهر ذلك لها أم لم يظهر، علِمَتْ أم لم تعلم، بدءا من وزارة الشؤون الاجتماعية التي تدفع ملايين الريالات سنويا للأسر التي لها عائل (مطلق) ولكنه يرفض القيام بواجب النفقة الشرعي، بسبب تداعيات الطلاق ومشكلاته المتتابعة. كما أن الوزارة مسؤولة ـ كذلك ـ عن تقديم الاستشارات اللازمة لهذه المرحلة، إلى جانب البرامج التدريبية المعوضة عن الأب، أو الأم في حين يكون الأولاد مع الأب.
ووزارة التربية التعليم تعاني من الطلاب والطالبات ضحايا الأسر المفككة، فهم ـ غالبا ـ الأكثر عرضة للتخلف الدراسي والانحراف والاضطراب السلوكي والهروب من المدرسة والتسيب والتسرب.
ووزارة الداخلية تعلم ـ من خلال ـ مراكزها البحثية بأن كثيرا من الذين يدخلون الأحداث ثم السجون، والذي يعاقرون الخمرة، ويدمنون المخدرات، ويحولون إلى مجرمين يقلقون الأمن هم من بيوت المطلقين.
ووزارة العدل تنفق الملايين على قضايا الطلاق سنويا، وعلى القضايا التابعة لها، مثل النفقة والكفالة وتقاطع الأرحام والمتابعات المالية.
ووزارة الصحة تعرف بأن معظم الحالات النفسية الواردة إليها، بل والأمراض العضوية هي نتيجة لمشكلات أسرية، وأضخمها الطلاق.
ووزارة العمل تشهد بأن الطلاق يمثل عنصرا من عناصر تكوين أسس البطالة في سوق العمل، إذ البطالة نتيجة الإهمال التربوي غالبا.
إن الطلاق قنبلة، لا يدرى مدى شظاياها.. فقد تكون أبعد من الدوائر التي رسمتها هنا وأشنع.
إن الزواج سكينة ومودة ورحمة مصداقا لقول الله عز وجل: . وفي المقابل فإن الطلاق سوسة البناء الاجتماعي، وقد نصت المادة التاسعة من نظام الحكم في المملكة العربية السعودية؛ على: “أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي”، والطلاق هو الذي يفجر هذه النواة، فيحصل بانقسام جزيئاتها انقسامات متداعية؛ لا يمكن حصرها أبدا. {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم:21]
وإذا كانت المشكلات الزوجية هي خطوات الشيطان إلى الطلاق، فإنها تمثل اليوم ظاهرة بارزة؛ لكثرة المثيرات الجديدة؛ من وسائط الاتصال السريعة والمغرية والمتوارية عن الرقباء؛ عبر الهاتف الجوال والشبكة العنكبوتية وشاشات الفضاء؛ إلى جانب أسبابه التقليدية المعروفة؛ من تدخل الأهل، واختلاف المستوى التعليمي والثقافي، وغياب العدل والسلوك الحسن، وانحراف أحد الزوجين، وعدم التوافق.. ونحوها.
ولذا بات من الضروري جدا أن يُحاصر الطلاق بجيوش العلم، والمهنية العالية في التعامل مع قضاياه.
وإن الحديث عن الطلاق هو حديث عن آخر مرحلة من مراحل الشقاق بين الزوجين، أو قل عن اللحظة التي قد تنشأ فجأة ـ أحيانا ـ ولكنها نتيجة لغياب التأسيس القوي والمتين للأسرة في أول انطلاقاتها، واستمرار هذا الغياب.
فحتى لا نصل إلى الطلاق أصلا كان ينبغي البحث الجاد في الثقافة القائمة في المجتمع بعناصره الثلاثة؛ الحضرية، والريفية، والبدوية، والتعرف الدقيق على أنماط العادات التي تحكمها في أمور الزواج استقرارا ونجاحا، أو شقاقا وفراقا، فكل جهد يبذل دون تعرف على البيئة الخاصة لفيروس الطلاق، لن يفلح في تطويقه، وقد يفشل حتى في التنبؤ بتداعياته.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.