معادلة الأمن لدى الأمير الراحل

إذا عُدّدت النعم فلن تجد في مقدّمتها مثل الهداية والأمان والرزق الحسن؛ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }، وكل الناس على هذه البسيطة إنما ينشدون مثل ذلك المجتمع المستقر، الذي خصَّنا به الرب «عز وجل» فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}؟!.

ولا يمكن أن تنمو الحضارة وتسعد البشرية إلا في هذه الأجواء؛ حيث تفرغ النفس والعقل للتفكير البنّاء، والعمل الجاد، والتعاون المثمر؛ لصناعة المدنية المحمية بسياج الدين.
إنها منّة الله تعالى على عباده في جزيرة الإسلام، حين مدَّ فوق سمائها رواق أمنه، وبسط على أرضها موائد رزقه، وجمع قلوب رعاتها ورعيتها على كتابه وسُنة نبيه «صلى الله عليه وسلم»، فأضحت مقيلًا للهاربين من لهيب الحروب، وملاذًا لمن ضاقت بهم كل الدروب، وجنة لمن ترعرعوا في أفيائها المخضلة بتطبيق شرع الله تعالى، وإقامة شعائره.

ومنذ أن ترسّخت قواعد بناء الدولة السعودية بميثاق الدعوة والسيف، على يدي المحمدين، وميزان الأمن مرتبط بهما، فالعدل أساس الملك، والراعي والرعية في كنف المولى «عز وجل»، وقلوبهم بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فمتى أرضى كل منهما الله في الآخر، جمع معه شمله، وأنزل في قلبه حبه.
إن الدولة التي ترتبط بشعبها في المنشط والمكره، وتعرفه في الرخاء والشدة، وتتلمّس احتياجاته قبل أن يتحدث عنها، وتسعى في مصالحه وإن لم تظهر له، وتعمل على وضع الحلول لمشكلاته مهما تعقّدت، فإنها ترسخ دعائم الأمن في ربوعها، وتصبح أبيّة على مَن عاداها، عصيّة على من تسوّل له نفسه أن يمسّ أمنها.
لقد مات نايف بن عبدالعزيز  «رحمه الله تعالى» رمز الأمن الداخلي لأعظم بلادٍ عند الله «عز وجل»، مات وهاجسه في حياته كلها أمن بلاد الحرمين، واستقرارها.
ومن طبيعة الشخصيات العملاقة أن تكون ذات أبعاد متعددة، ويكون بين تلك الأبعاد خيط رفيع يصل بينها، ويكون القاسم المشترك بين اهتماماتها.
مَن يتأمل في شخصية الأمير نايف فسيرى ثقافة واسعة، أسهمت في تحديد المسار والموقف، بمعرفة الخطوط الفكرية التي كانت تلوّن أطروحاتها، التي ليست كلها مقبولة في شرعه أو بيئته.
وسيرى تركيزًا على سلامة المنهج بالاهتمام بالكتاب والسُّنة الصحيحة؛ وتطوير إمكانات البحث العملي والمعاصر فيهما، وتركيزًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بصفته صمام الأمان النفسي والأخلاقي في البلاد، وتركيزًا على (السعودة) بصفتها الأمان الوظيفي والمادي الذي يُعدّ حاجة أساسية من حاجات الإنسان. رحمك الله ـ أبا سعود ـ وجعل ما قدّمت من خير لبلدك وأمتك في موازين حسناتك، وأخلف الله على بلادنا في إخوانك وأبنائك خيرًا.



اترك تعليقاً