حقيقة المواطنـة

ليس الوطن متحفًا تندمج فيه السنوات والقرون؛ لتتحوّل إلى لوحةٍ تشكيلية مركبة، نتفرج عليها، نبدي إعجابنا بها، ننصرف بعدها، قد نتحدث عنها ساعات، ولكننا في النهاية.. ننساها. 

ليس الوطن منزلًا ولدنا فيه، ثم نشأنا فيه، ثم بدا لنا أن نستبدل به خيرًا منه، فتركناه؛ ليظل ذكرى جميلة فقط، ليس لدينا الاستعداد للعودة لنعيش حقيقتها.
ليس الوطن شعارًا نردده كل صباح، وننشغل عنه كل مساء.
الوطن هو الرحم التي تخلقنا فيه؛ ولذلك ننتمي إليه، بعد انتمائنا لعقيدتنا، وأرومتنا، ولا يمكن أن يرحل عنا وإن رحلنا عنه.
الوطن هو الكيان الذي يشكّل إطار حياتنا، وبدونه يصبح الإنسان بلا عنوان. 

ومَن يستشعر هذه المعاني فإنه لن يخون وطنه كما أنه لن يخون أمه.
ولن يقبل أن يعمل ضده كما أنه لا يمكن أن يحرق بيته.
ولن يفرّط في انتمائه إليه، كما أنه لا يفرّط في انتمائه إلى أسرته.
ولن يصدق المواطن في مواطنته حق الصدق إلا إذا صدق مع موطنه، وصدق معه موطنه.
(الحب) معنى عظيم، وليس إلا هو جدير بأن يكون العروة الوثقى بين الوطن والمواطن.
حين يُحب الوطنُ المواطن، فإنه سيُجري تحته أنهار العطاء، ويسكب في قلبه طُمأنينة الأمن والاستقرار، ويُسلمه شُعَل العلم والعمل في يديه، لن يبخل عليه بموجود.
وحين يحبُّ المواطنُ الوطنَ، فإنه سيحرص على سمعته كما يحرص على سمعة أخته، ويحفظ مكتسباته كما يحفظ عينيه، ويذبُّ عنه كما يدافع عن عِرضه.
المواطن الذي يعرف حجم قدر الوطن بالنسبة له، يعلم أنه لا توجد ثغرة في جدرانه مثل تفريطه في عمله، أو عدم القيام بأمانته في أدائه؛ لا فرق بين موظف حكومي أو في قطاع خاص أو حتى في عمل شخصي جدًا.
إحساس المواطن بعدم كفايته مما يعطيه الوطن، هو ـ غالبًا ـ من تفريط صاحب ولاية، أو مسؤول خدمة، أو مراقب عمل، أو منفِّذ، وهؤلاء هم أنا وأنت وهو، مهما كانت أقدارنا بحسب خانات أرقامنا في منظومة الوطن الكبرى.
كل كلمةٍ في حق الوطن تنبس بها شفة في الوقت الراهن لها أثر في الحاضر أو المستقبل، فلنكن بُناة، غيورين على أوطاننا، لا نقبل – أبدًا- أن تتحوّل كلماتنا إلى سلالم لصاحب نزوة أو متأبّطٍ شرًا؛ ليصل بها إلى مبتغاه.

 



اترك تعليقاً