صيحة عانس

صيحة عانس

بقلم/ د.خالد بن سعود الحليبي

مئات الآلاف من البنات في بلادنا لم يدخلن العش الزوجي، ولم يتذوقن طعم الحياة فيه، وتعريفي للعانس؛ هي الفتاة التي تجاوزت خمسة وعشرين عامًا دون أن تتزوج أبدًا، علمًا بأني لا أعد الزواج السبيل الوحيدة للسعادة، أو لتحقيق الحياة الفاعلة، فكم متزوجة تعيش التعاسة بقضِّها وقضيضها!! ونحو مائة حالة طلاق يوميًّا تشير بقوة إلى ذلك.

وكم عانس استطاعت أن تحقق وجودها بمشروعات رائدة، وتؤدي وظيفتها بنجاح متفرد، وتكون أُمًّا لألوف الفتيات في محاضنها التعليمية والتربوية!!

على أن الزواج نعمة عظيمة، وأتمناه لكل فتاة مسلمة؛ ليكون بابها إلى السكن النفسي، والأمومة العظيمة، وإلى الجنة إن شاء الله.

لن أستأثر بالحديث، بل سأترك بقية المساحة المتاحة لي لقلم فتاة تتعذب بسبب صدود الخُطَّاب عنها؛ لمجرد أنها وصلت إلى سن الثلاثين أو قاربت ذلك، وقد أرسلت إليها أن: “جميل أن أسمع هذه المشاعر ممن يعايشها بعيدًا عن التخمينات، واسمحي لي بأن أنشرها في مقالة” فأجابت: جزاك الله خيرًا، أسمح بنشرها كما تريد؛ لعل الله يهدي الآباء، وتكون سبب فتح باب رزق لإخوتي وأخواتي”. 

تقول بعد التحية والدعاء: “موضوع إذا ذكرته لأحد قالوا: أنت لا تؤمنين بالقضاء والقدر، وهذا قدرك. أعلم ذلك وأنا -والحمد لله- مؤمنة بالله، لكن لا بد من الأخذ بالأسباب؛ لحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – : “اعقلها وتوكل”.

دائمًا نسمع عن أعداد العوانس في البلد، وعن تزايد العدد، وأنا واحدة منهن، قاربت التاسعة والعشرين دون زواج أو خطبة، وما يضيِّقُ صدري نظرة الشباب لمن تجاوزت هذه السن، مع أننا -ومن واقع تجربة- في هذه المرحلة تجاوزنا مرحلة العاطفة، وأصبحت البنت في هذا العمر تفكر بعقلها، فليس هدفها من الزواج السفر، وأكل المطاعم والترفيه، فهذه الأشياء لم تعد تعني لها شيئًا، بل نحن نفكر كيف نقوم بحقوق الزوج، وكيف نربي الأولاد على الأخلاق الحسنة، وكيف ندير المنزل.

فلماذا هذه النظرة القاصرة تجاهنا؟! فالمشكلات والهموم تزداد علينا، حتى حضور المناسبات نُمنع منه منعًا باتًّا، والذهاب للحلقات والدور القرآنية صعب علينا؛ بسبب كثرة الأعمال المنزلية، وقد يطلبون أشياء فوق الطاقة، وليس لنا أحد يُحضِر لنا ما نريد؛ مما يسبب لنا الإحراج، وأيضًا إذا مرضت البنت لا أحد يحس بها، أو يُحضِر لها علاجًا.

أنا –والله- أموت في الأطفال، وأخشى إذا مِتُّ ألا يكون لي ولد يدعو لي”، وأنهت حديثها المؤلم بقولها: “وأشياء كثيرة يطول الحديث عنها، أتمنى ألا أكون أثقلت عليك”.

بل أثقلتِ عليَّ كثيرًا، فإن تفاقم مشكلة العنوسة بلا حلول، لا أدري إلى ماذا سيؤدي، عضل البنات من الآباء الجهلة، وتحدي بعض الإخوة لأخواتهن، وتأجيل الزواج من قِبَل بعض البنات بسبب الدراسة أو العمل، والتفات شباب بلادي إلى بنات الدول المجاورة تاركين فتيات بلادهم وراء ظهورهم، كل ذلك ينذر بمستقبل مخيف!! فهل من معتبر؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تم نشر هذا المقال على موقع جريدة اليوم السعودية بتاريخ 8- 2- 2013م على الرابط التالي:

http://www.alyaum.com/News/art/71228.html



اترك تعليقاً