فلنعلن الحرب عليها

فلنعلن الحرب عليها

بقلم/ د. خالد بن سعود الحليبي

“الشائعات أخطبوط، مسرحه العقول الجاهلة”، لو رأى من قال هذه العبارة العميقة ما رأينا اليوم من فشوّ ظاهرة الشائعات، وكيف تُبذر بذرتها، ثم تسقى بأمواه الحقد والحسد والجهل، فإذا بها أفعوان، ما أشبهه بعملاق العشماوي الذي قال فيه:

كأن لَيْلِي مِثل عملاق له       ألف رأس وله نصف رئة!!

لا أدري ماذا سيقول مع تنوع وسائل الاتصال وتكاثرها بين أيدينا، وسهولة استخدامها بين الصغير والكبير، والواعي والجاهل، تزداد فرص نشر الإشاعة دون أية محاولة للتثبت والتبين، فبمجرد وصول معلومة مدهشة، أو خبر غريب، يبادر المتعجلون والمجرمون بنشره بين الآخرين، وبحماسة غريبة، وأحيانًا مريبة!!

إن صناعة الإشاعات الكاذبة وسيلةٌ قذرة لمن تنطوي صدورهم على البغضاء والشحناء؛ حيث تعبِّر تلك النفوس المريضة عن أهوائها، وتفرغ بواسطتها سمومها، متقصدة خلقًا نبيلاً، أو مؤسسة نافعة، أو شخصًا يسعى في خير أمته ووطنه.

وتكمن خطورة الشائعات في سرعة انتشارها، وخفاء من يقفون وراءها، وغموض أهدافهم الحقيقية، فمطلِقُ الشائعة يستغلّ من ينجرّ معه في ترويجها ملامسًا عواطفه وطيبته، كما يفعل مروّجو المخدرات والأفيون!!

وقد أصبحت عدد من الحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثات الشهيرة شماعات جاهزة، وبيوتًا مؤجرة بالمجان لرءوس الإشاعات، وضحايا غبية لمروّجيها.

نعم قد يكون بعضهم صالح النية، ولكن النية الطيبة لا تكفي للدفاع عن أصحابها دائمًا، إذا كان الأمر يمسّ أمن الناس وأموالهم وأعراضهم وسمعتهم.

وأكثرهم ممن يبحثون عن الإثارة، والإغراب، ولو على حساب وطنهم واستقراره.

إن محاربة الشائعات الباطلة واجبٌ فردي، وواجب مؤسسي، فعلى كل أفراد المجتمع وأطيافه أن تتضافر جهودهم لوضع حدّ لكل شائعة فورًا في المجلس الذي تُطلق فيه بإبطالها، وفي الحساب أو الموقع الذي تروّج فيه بعدم إرسالها، وإماتة الباطل بتركه؛ كما يقول علماؤنا الأجلاء.

وهي مسئولية رسمية مؤسسية أيضًا بأمرين؛ الأول: أن تُنشر الأخبار الصحيحة الموثقة بالصورة والإحصاءات المقنعة من مصادرها الأساس، وأولاً بأول؛ ليقطع الطريق على مروجي الأكاذيب، ومن يستغلّ الأحداث لصالحه.

والثاني: بأن يُطلق موقع رسمي يمثل مؤسسة كاملة، عملها الوحيد تفنيد الشائعات بسرعة تسبق انتشارها، وتكون شرعية واجتماعية، وسياسية واقتصادية وإعلامية، … إلخ.

وقد حذرنا ربنا سبحانه من نقل الكلام بمجرد وصوله إلينا دون تدبر ما فيه، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء: 83].

وكم أقلقت شائعة أمن بلاد بأكملها! وكم تسببت الشائعات في خسائر فادحة لم يقم منها أصحابها! فيما تحقق لأصحاب تلك الشائعات مآربهم السيئة، أو الثراء السريع المبهر.

ومن الناس من سار خلف الشائعات الفكرية فضلَّ وأضلَّ، وحكم على فئام من الناس بالضلال، ظلمًا وعدوانًا، فأحدث انقسامات وعداوات.

بل تجب التوعية بأضرار الشائعات والوقاية منها، في كل وسائل الإعلام، والمساجد والمؤسسات التعليمية، والدوائر والشركات، لنعلن الحرب الموحدة عليها بدلاً من أن نكون ضحاياها.

Dr_holybi@

ـــــــــــــــ

تم نشر هذا المقال على موقع جريدة اليوم السعودية، بتاريخ 15- 2- 2013م على الرابط التالي:

http://www.alyaum.com/News/art/71996.html



اترك تعليقاً