الطفل الجريء وليس العنيد – قمع سلوكيات الطفل يزيد من شقاوته

الطفل الجريء وليس العنيد

تربية «الدلع» أو «القسوة» تحرج أهاليهم أمام الناس 

جرأة أطفال «وش دخلك» تحولت إلى «فتوة» و«شوفة نفس»!

دكتور الحليبي: قمع سلوكيات الطفل يزيد من شقاوته!

إعداد : سحر الشريدي

اعتادت “أم هديل” أن تصطحب ابنتها معها في بعض الزيارات العائلية، إلاّ أن “يدها على قلبها”؛ خوفًا من جرأتها أمام النساء، وتحديدًا حين تحمل ردة فعلها عبارات قاسية “وش دخلك”، أو جارحة في حق الآخرين “من زينك”، أو سلوكًا عنيفًا ومسيئًا في حق من احتك بها، وهو ما سبّب إحراجًا شديدًا لوالدتها؛ لدرجة أنّ البعض أصبح يتذمر من وجودها في أي مكان.

وعلى الرغم من أن هناك فارقًا كبيرًا بين “الجرأة” و”قلّة الأدب”، فهو ليس خيطًا يُخشى أن يقطع، أو حصنًا لا يقهر، وإنما هو فارق يعكس تربية الوالدين أمام القريبين والمجتمع، بل أكثر من ذلك مؤشر على انعكاس تلك التربية على سلوكيات وأخلاق الطفل مستقبلاً.

ويتسم التعامل مع الأطفال الجريئين بالسلبية؛ حيث تحضر القسوة، والزجر، والتوبيخ؛ مما قد يؤدي إلى تحطيم شخصية الطفل، وجعله شخصية سلبية انسحابية أو عدوانية، فيكون غير قادر على الدفاع عن حقوقه، ولا يستطيع التعبير عن مشاعره الحقيقية، كما يشعر بالعجز والضعف، ولا يمكنه رفض طلبات الآخرين ولا حتى معارضتهم، ويسعى إلى إرضائهم على حساب نفسه!

جرأة سوية:

وأوضح “د.حسين عبدالفتاح الغامدي” -عضو قسم علم النفس في جامعة أم القرى- أنّ الجرأة في صورتها السوية هي سمة نفسية وسلوكية تختفي معها مشاعر الخوف، وتمكّن الفرد من مواجهة المواقف المادية والاجتماعية الصعبة، وعادةً ما يُنظر إليها كسمة إيجابية، دون التفكير في درجتها أو اتساقها مع المعايير الاجتماعية، وهذا ما يعتمده علماء النفس عند قياسها أو الحكم عليها، فهي ذات قطبين؛ حيث تتدرج من جرأة تامة إلى جُبن مطلق، وهو ما لا يتحقق في الغالب، حيث إنّ الجرأة التامة سلوك غير مقبول، ذلك لأنّ السلوك السوي يعبّر عن توازن منطقي يتجه نحو الإيجابية بين السمة ونقيضها، فالإنسان في حاجة لدرجة من الخوف والخجل لضبط تطرف الجرأة وعدم تحولها إلى تهور واندفاعية في المواقف الخطرة، أو “وقاحة” عند التعامل مع الآخرين.

اندفاعية وتهور:

وقال: إنّه يختلف تقدير الجرأة غير السوية، أو الاندفاعية، والتهور، وعدم احترام الآخرين، وذلك باختلاف مجموعة من العوامل؛ أهمها السن والجنس، فما هو مقبول من طفلٍ صغيرٍ قد لا يكون مقبولاً من طفلٍ في المدرسة الابتدائية أو من مراهقٍ، وما هو مقبول من الذكور قد لا يكون مقبولاً من الإناث، وهذا يظهر بوضوح في مجتمعنا، إلاّ أنّ التوقعات والأدوار المتوقعة من الجنسين مختلفة في غالبية المجتمعات، معتبرًا أنّ كل أنماط الجرأة المتهورة غير محمودة، ويمكن أن تظهر في صورٍ متعددة بعضها يرجع على الفرد بالضرر، في حين يرجع أثر بعضها على الآخرين بدرجة أكبر.

تدليل مفرط:

وأضاف أنّ هناك احتمالاً في اختلاف نشاط الدماغ لدى المتهورين؛ مما يجعلهم أكثر جرأة، كما أنّ بعض الاضطرابات الأخرى، ومنها ملازمة فرط الحركة، وتشتت الانتباه؛ يمكن أن تؤدي بالأطفال إلى سلوكيات من هذا النوع، ومع ذلك يُرجع علماء النفس والتربية أسباب الاندفاعية والتهور والجرأة الفجة إلى أساليب التربية، خاصةً في بدايات الحياة، وأيضًا إلى الدعم المعزّز لهذا السلوك في الثقافة، وعجز الأسرة والمؤسسات التربوية عن غرس منظومة سلوكية واجتماعية تعمل على ضبط السلوك، وتحديدًا عند التعامل مع الآخرين، مبيّنًا أنّ القسوة المفرطة أو التدليل المفرط يمكن أن تقود إلى الجرأة؛ إذ يمكن للقسوة أن تقود إلى العديد من الاضطرابات النفسية تترجم في صور مختلفة من الأفعال العدوانية والمندفعة والمؤذية للآخرين، كما يؤدي التدليل المفرط إلى الاندفاعية والجرأة المؤذية، خاصةً في التفاعل الاجتماعي، وذلك نتيجة لضعف اكتساب الطفل المدلل للقيم السلوكية المنظمة لتفاعله مع الآخرين، ولافتقاده القدرة على التحكم في نزعاته أو تأجيل الإشباع لتعّوده على الحصول المباشر على ما يرغب، أو لضعف الحزم في التعامل معه لضبط نزعاته وغرائزه وتنظيمها بما ينسجم والمعايير الاجتماعية.

دور الأسرة!

وأشار إلى أنّ ارتفاع هذا السلوك من قبل الأطفال بسبب ضعف الحزم في فرض القواعد، إضافةً إلى انشغال الآباء والأمهات، لافتًا إلى أنّ إهمال المدارس للجانب القيمي والتركيز على الجانب المعرفي يزيد من حدة الظاهرة أو يبقيها على حالها، كما قد تسهم الثقافة الاجتماعية السائدة والتغير الاجتماعي العام الذي أدى إلى اختلاف ممارسات أطفالنا عن ما كنا نفعل، وتفكك المجتمع، وضعف المنظومة القيمية غير الرسمية، مبيّنًا أنّ أثر الجرأة يرتبط بالأسرة تبعًا لسواء أو شذوذ الجرأة نفسها، حيث ترتبط الجرأة السوية بالسواء النفسي، وهذا أمل ومصدر سعادة الآباء والأمهات، بل وعامل من عوامل الاستقرار الأسري، على العكس من ذلك تمثّل الجرأة المرضية المعبرة عن سوء التكيف مصدرًا لقلق الوالدين وإحباطهما، وربما مصدرًا للتعاسة الأسرية التي يمكن أن تقود للصراع والتفكك الأسري أحيانًا، حيث تمثّل مشكلات الأبناء كما تشير الدراسات العلمية أحد عوامل الرضا الأسري والزواجي، أو مهددًا ضمن مجموعة من المهددات.

تمثيل المستقبل:

وأضاف أنّ الشريحة الكبيرة من الأطفال والمراهقين هم من سيمثلون المجتمع في المستقبل، ولذا يمثل اكتسابهم للجرأة السوية والاستقلالية والمبادرة مؤشرًا على فاعلية وقوة المجتمع، فالمجتمعات الفاعلة تستند على أشخاص فاعلين أقوياء يتمتعون بالجرأة والمبادرة لإنجاز أهدافهم دون وجل، مبيّنًا أنّ الجرأة السوية المستندة على مبدأ المحافظة على سلامة الذات والآخر تعدّ مؤشرًا للنمو السوي ونضج الأنا والتوافق الاجتماعي، وهي دافع لمزيدٍ من التكيف الاجتماعي، وتفضي بطبيعة الحال إلى تقبل من الآخرين للطفل أو المراهقة ومبادلته التقدير، وعلى العكس من ذلك تمثل الجرأة المرضيّة المعبر عنها بالأفعال المتهورة أو الخطرة مؤشرًا على الاضطراب النفسي، حيث تمثل عرضًا تعويضيًّا لا شعوريًّا للتخلص من القلق ومشاعر النقص المرتبطة بهذه الاضطرابات، وتقود بدورها إلى الكثير من المشكلات أدناها سوء العلاقة والتوافق الاجتماعي، والرفض من الآخرين والخلاف معهم كنتيجة لتعامله الفجّ معهم، وقد ترتبط بالجنح وارتكاب الجرائم، بل والموت كما يحدث في حوادث السيارات.

نصائح للتغيير:

وأشار إلى أنّ الجرأة السوية تتمثّل في القدرة على التعبير عن الذات دون إيذاء للآخرين، فإذا تسببت في إيذاء لهم أو كانت منافية للذوق العام والقيم المقبولة أصبحت مؤشرًا على الاضطراب المترجم في اندفاع وتهور وعدائية، ناصحًا الآباء إلى اتباع السبل السوية في تربيتهم لأبنائهم لتوفير النمو السوي منها تكون علاقة أسرية سوية، فالصراعات الأسرية تؤدي إلى اضطراب الأبناء؛ حيث يمثّل الآباء نماذج حيّة لأبنائهم، إلى جانب توفير البيئة السوية الموفرة للحب والحميمية من غير تدليل، مع الإبقاء على الحزم للمحافظة على احترام القيم والقواعد، إضافةً إلى البعد عن العدوان والقسوة، وتشجيع الاستقلالية والمبادرة مع بدايات الطفولة دون إفراط أو تفريط، حيث تمثّل حاجة أساسية؛ فإحباطها من خلال الحماية المبالغ فيها أو القسوة أو الإهمال يمكن أن يقود إما إلى الخجل ومشاعر الذنب أو الاندفاعية والتهور، كذلك ضرورة تعويد الطفل على التخطيط والتفكير في عواقب الأمور واحتساب النتائج، والحرص على زرع قيم الحياة الاجتماعية والأخلاقية في وقت مبكر، من خلال الحوار ثم الحزم في فرضها كواجبات.

* «اللغز» في السنوات الأولى من عمر الطفل!

لفتت “سلوى عبدالمحسن المجنوني” -أستاذ مساعد في الإرشاد النفسي بجامعة أم القرى- إلى أنّ علماء التحليل النفسي يرون أنّ الخبرات التي يمر بها الطفل في الخمس السنوات الأولى من عمره لها أهمية كبيرة في تشكيل شخصيته، فمن خلالها يمكن إرساء دعائم الشخصية وتشكيل سماتها؛ وبناءً على ذلك يمكن تربية الطفل على الجرأة في هذه الفترة، ولكن يجب أن تكون بشكل معتدل وبدون مبالغة حتى لا تتجاوز الحد المطلوب وتتحول إلى “وقاحة“.

وقالت: إنه يمكن تنمية هذه السمة من خلال ثلاثة مفاهيم أساسية؛ هي الثقة، والاستقلالية، والمبادرة، والتي يعتمد اكتساب الطفل للثقة على نوعية علاقته بأمه وكيفية رعايتها له، وليس على كمية الطعام الذي تقدمه، وبالتالي العلاقة الجيدة مع الأم تؤدي إلى الإحساس بالثقة فيها، ومن ثَم الثقة بالعالم من حوله، وينعكس ذلك على ثقته بنفسه وعلاقاته مع الآخرين في المستقبل، إلى جانب أنّ عدم تحقيق الطفل للاستقلالية يؤدي إلى شعوره بالخجل، كما أنّ الطفل يتمتع بالحيوية والنشاط ويواجه أزمة المبادرة، فالنقطة الحاسمة التي يسعى الطفل لتحقيقها هي الإحساس بالمبادرة.

وأشارت إلى أنّ الوالدين والراشدين في الأسرة يساعدون الطفل على تحقيق ذلك عندما يتفهم الجميع طبيعته الجسمية والنفسية في هذا السن؛ حيث يستطيعون دعم خياله وفضوله، ويشجّعونه على اقتحام عالم الكبار والاندفاع نحوهم بدون الشعور بالحذر والخوف، فيعمل الطفل بإرادته دون الإحساس بالإثم، ويصبح شخصًا جريئًا مبادرًا لا يخشى ما يقوله، فيدفعه هذا الشعور لأن يكون فعالاً في كلامه ومناقشاته وتساؤلاته مع الكبار، ويدعم هذا الشعور حل الأزمات في المراحل السابقة بشكل إيجابي “تحقيق الثقة” و”الاستقلالية”، ونتيجة للحل الإيجابي لأزمة هذه المرحلة يحقق الطفل الشعور بالمبادرة فتكتسب الـ”أنا” قوة إضافية.

*د.الحليبي: قمع سلوكيات الطفل يزيد من شقاوته!

أوضح “د. خالد بن سعود الحليبي” -مدير مركز التنمية الأسرية في الأحساء- أنّ الطفل الجريء يحتاج إلى كثير من الانتباه، وذلك لمراقبة تصرفاته؛ حتى لا يتسبب في كوارث -لا قدر الله-، كما يحتاج إلى المزيد من الحب، والاحتضان، والتقبيل، والتقبل؛ حتى تهدأ نفسه، وتوجّه طاقته، وتهدأ حركاته وشقاوته، مبيّنًا أنّه من الضروري الجلوس معه بعد كل تصرُّف، لنتحاور معه بهدوء، وتوجيهه وبيان خطورة تصرفه، أو قلّة الأدب فيه، من دون شتم، أو ضرب؛ حتى يتلقى التوجيه بإيجابية.

وقال: “لا بد أن نربي أولادنا على الجرأة المحمودة، أو على الشجاعة الأخلاقية المطلوبة لنكون ناجحين في تربيتنا، حتى نربي أولادنا على الاستقلالية الوسطية، أي نعطي الطفل جزءًا من الحرية المنضبطة، ونحاسبه على أخطائه بهدوء، ونتيح له الفرصة ليواجه بعض الصعوبات والعقبات والمشكلات التي يكون لديه القدرة على التعامل معها بكفاءة في المدرسة، والمنزل، والشارع، والمسجد، والسوق، ولا نتدخل بسرعة، ثم نترك الطفل يتحمل المسؤولية الشخصية في ردود الأفعال تجاه القرارات الصغيرة التي يتخذها، وبهذا يكون لديه جرأة في اتخاذ القرار المتوازن؛ لأننا علمناه أن يتحمل عواقبه”، مشيرًا إلى أنّ الذين يربون أولادهم بالحماية الزائدة أو الدلال لن ينجحوا في تربية أبنائهم، وأنّ أولئك الآباء والأمهات الحازمين في رحمة وحب هم القادرون على التربية المتوازنة.

وأضاف أنّ الطفل الجريء إمّا أنّ تكون جرأته تدل على قلة إدراك، وضعف في التفكير، وفرط في الحركة، وعدم القدرة على الانضباط، فهذا الطفل ربما يكون لديه اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ويرتبط بهذا الاضطراب اضطراب الاندفاعية، الذي يجعل من جرأة الطفل شيئًا خطرًا على حياته، ويعود ذلك إلى عوامل فسيولوجية، تحتاج إلى معالجة طبيب نفسي، إلى جانب أن يكون الطفل ذكيًا جدًا، ذا طاقة زائدة، ويتعامل معه أهله بالضرب، والحجز، والمنع، والقمع، والسخرية، فيوجه طاقته إلى حيث يحقق بها رغباته الشخصية دون مراعاة الآخرين الذين لم يفهمومه، ولم يتركوا له فرصة التعبير عما في داخله، ولم يحسنوا توجيه طاقته تلك، بل قد تكون جرأته تلك نوعًا من الانتقام ممن حاصر تلك الطاقة وأراد أن يقوقعها في داخله.

* «آسف طفلي يحتاجني هذه اللحظة!»

أوضحت “د.ندى الربيعة” – أستاذ مساعد بقسم تربية ورياض أطفال بجامعة الملك سعود – أنّ هناك العديد من الطرق لمعالجة جرأة الطفل بشكل لا يؤثر عليه ولا على شخصيته ومستقبله، مبيّنةً أنّه عندما يتصرف الطفل بجرأة في أماكن عامة يجب التركيز عليه وعدم القلق ممن هم حوله؛ وذلك حتى تكون استجابته هي الأنسب في ذلك الموقف دون ردود أفعال خشية الآخرين، مشددةً على أهمية عدم إشراك الآخرين في معالجة الموقف أثناء حدوثه، وعند تدخل أحدهم يتم الرد عليه “آسف طفلي يحتاجني هذه اللحظة”.

وقالت: “لا بد للوالدين التخطيط على المواقف قبل حدوثها من خلال معرفتهم بطبيعته وأسلوبه، كأن تقول الأم لابنها: (سنذهب لتناول الغداء عند الجيران، سنقضي لديهم ثلاث ساعات، أتوقع منك أن تلتزم بالسلوك المهذب، وعندما تنسى سأنبهك، وإن تكرر سنعود إلى المنزل)، وعندما تغادر لا تعتذر عن سلوك الطفل، بل تخبرهم أنّ عليها المغادرة، وأنّها ستتواصل معهم لاحقًا”.

مبيّنةً أنّ الأماكن الجديدة تمثل نقلة للأطفال تجعلهم يرتبكون في كيفية التصرف فيها بدون تروٍ، كما أنّ الأطفال لهم احتياجات يجب إشباعها قبل وأثناء الرحلات، وعلى كل أم أن تتساءل؛ هل أشبعت حاجاتهم الجسمية من طعام، وشراب، وراحة وزيارة لدورات المياه؟ وهل أشبعت فضولهم لاستكشاف ما هو جديد؟ وهل أشبعت احتياجهم للانطلاق؟

وأضافت أنّ بعض الوالدين يشجعون أبناءهم في صغرهم على أعمال تهيئ لهم الجرأة واللامبالاة، ويسمحون لهم بذلك، وقد تنقلب عليهم في بعض اللحظات التي يضجر الأب منها، ولابد من معالجة ذلك الأمر عن طريق توقيت اللحظات المحرجة من الأطفال التي نادرًا ما تكون على سبيل الصدفة؛ لأنّها تعكس مراحل يمكن التنبؤ بها عادة في نمو الوعي العاطفي أو وعي الطفل المتزايد نحو ردود فعل الآباء والأمهات في كيفية التصرف في المواقف المختلفة، وحين يكون الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة يكتشف معظمهم أنّهم أكثر عرضة للحصول على شيء يريدونه إذا طلبوا من والديهم ذلك.

*لا تتركه عاجزًا عن تكوين علاقات مع أقرانه:

بيّن “د.سليمان بن عبدالرزاق الغديان” – مرشد نفسي – أنّ الأسرة هي العامل الأول والأساسي في أي مشكلة يعاني منها الطفل، وعند التعامل مع مشكلة الجرأة السلبية يجب أن يدرس الوضع الأسري للطفل، وتحديد العوامل المسببة له، ومن ثم النظر إلى العوامل الأخرى المساعدة ليتم رسم الخطة العلاجية المناسبة لحالته، معتبرًا أنّ الجرأة الإيجابية هي السلوك الذي ينبغي أن ينشأ عليه الطفل، وذلك في التعبير عن الذات تجاه الآخرين بكل وضوح وهو ما يسمى بـ”توكيد الذات”، وفي هذه الحالة يستطيع الطفل أن يعبّر عن ذاته في المواقف السلبية أو الإيجابية.

وقال: إنّه من الضروري تشجيع الأطفال على التعبير عما في أنفسهم في بيئة آمنة، أمّا من خلال البيئة الأسرية أو المدرسية، مؤكّدًا على أهمية البعد عن توبيخ الأطفال أو منعهم من الكلام أو الجلوس مع الكبار؛ حيث إنّهم يتعلمون من خلال هذه العملية الحدود التي ينبغي ألا يتجاوزها في تفاعلهم مع الآخرين، سواءً لفظيًّا أو جسديًّا، وبهذا يتمكن الوالدان من تنشئة الطفل وإخراجه إلى المجتمع قادرًا على التعبير عن نفسه والتفاعل مع الآخرين في حدود الصح والخطأ الذي يتعلمه من أسرته.

وأضاف أنّ الجرأة سلوك وسط بين نقيضين انعدام الجرأة أو ما يسمى بـ”فقدان الثقة بالذات”؛ حيث يكون الطفل في هذه الحالة مترددًا، خائفًا، لا يستطيع أن يعبر عما في نفسه، ولا يستطيع أن يتفاعل بشكل إيجابي مع الآخرين، ويحب العزلة والانطواء، إلى جانب زيادة الجرأة بشكل مبالغ فيه أو الجرأة السلبية والتي تسمى بـ”الاعتداء أو الإيذاء”؛ حيث يؤذي الطفل في هذه الحالة الآخرين بشكل لفظي عن طريق الألفاظ النابية، أو بشكل جسدي، وذلك من خلال الضرب، أو بشكل مادي بتحطيم الأشياء وتكسيرها، وبالتالي لا يستطيع تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين؛ لأنّهم لا يريدونه بسبب أنّه مصدر أذى لهم ويبتعدون عنه.

وأشار إلى أنّ الطفل الذي لديه الجرأة السلبية ولم يعالج سيستمر في العجز عن تكوين علاقات ايجابية مع أقرانه؛ مما يؤدي به إلى الوقوع في ممارسة السلوكيات المنحرفة، وذلك لتغطية النقص الذي يعاني منه والمتمثل في القدرة على التفاعل مع الآخرين، وفي تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين، مبيّنًا أنّ الجرأة تنشأ لدى الطفل من خلال عدة عوامل أهمها التدليل الزائد؛ حيث إنّه في هذه الحالة لا يعرف الصح من الخطأ، وبالتالي تتكون سلوكياته وفقًا لهواه، ويجب أن تكون مقبولة من الجميع، إلى جانب القسوة الزائدة التي يتعرض لها الطفل من قبل الأسرة؛ حيث إنّه لا يستطيع أن يتعامل مع الآخرين بشكل إيجابي، فالأسرة التي نشأ فيه لم تتعامل معه إلاّ بالقسوة الجسدية والنفسية، كذلك الإهمال التي يلقاه الطفل من أسرته؛ حيث يؤدي إلى فقدان الطفل لمعرفة الصح من الخطأ، فيخرج إلى المجتمع غير قادر على ممارسة السلوك المقبول؛ لأنّه لم يُربَ عليه، بالإضافة إلى التقليد، فعندما ينشأ في بيئة تمارس الجرأة السلبية سواءً كانت في البيت أو المدرسة؛ فإنه سينعكس السلوك عليه ويتعلمه، وبالتالي يمارسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تم نشر هذه المشاركة في جريدة الرياض، بتاريخ 21- 2- 2013م، على الرابط التالي:

http://www.alriyadh.com/2013/02/21/article811992.html



اترك تعليقاً