نقد المسئول إلى أين؟

نقد المسئول إلى أين؟

بقلم / د.خالد بن سعود الحليبي

ارتفع مستوى النقد العام الموجّه للمسئولين ارتفاعًا حادًا في الآونة الأخيرة؛ بسبب توفر المناخ العام، والظروف المواتية، والوسائط السهلة والمباشرة، فبعد أن كان الأمر يحتاج إلى مواعيد وانتظار، وربما شفعاء، أصبح من السهل أن ينقر المواطن عدة نقرات على لوحة المفاتيح وهو في مكتبه ومنزله؛ ليقول لمسئول ما: هذا خطأ، ومن أين لك هذا؟ ولماذا قدمت فلانًا عليَّ، وحتى متى يُعبَث بالمال العام؟ وأين موقع المشروع الفلاني الذي وقّعتَه من الكرة الأرضية؟ وأين الخدمة عن هذا الحي؟ وأنا أحملك المسئولية في وقوع كارثة لقريب أو حتى لبعيد!!

وملايين الأسئلة التي بدأت تتوسع بشكل كبير حتى وصلت إلى طلب الاستقالة من المنصب نفسه مهما كان كبيرًا، بل أصبحت لا تخلو من ظلم لبعض المسئولين؛ حين يُحَمَّلُون ما لا يستطيعون، أو ما لا علاقة لهم مباشرة به.

يجب أن يوجد النقد، ولكن بطريقة تجعل منه أداة لبناء الألفة والمحبة بين أبناء الوطن الواحد؛ حتى لا يكون ذلك سببًا من أسباب تهتك النسيج الاجتماعي، والذي يُمَارس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

نعم للنقد الذي يلامس احتياجات الناس فيكشفها للمسئول؛ حتى يقوم بواجبه تجاه مواطني بلده، والمقيمين في ضيافته، بكلمات تزخر بالصدق والشفافية العالية، والنظرة المتوازنة.

نعم للنقد الذي يجعل من كل مواطن عينًا على مصالح وطنه العليا، تومئ إلى مواطن الفساد المالي والإداري؛ لتقوم هيئة مكافحة الفساد بعملها على الوجه الذي يرضي ربها، وتؤدي به واجبها أمام مليكها.

نعم للنقد الذي يجعل همه التغيير نحو الأفضل، والأكثر قربًا إلى المصلحة العامة.

ولا أستطيع أن أقبل النقد الذي يتشفى به صاحبه، وينتقم فيه لنفسه، ويسيء فيه إلى سمعة مجتمعه، ويجعل همه إسقاط مسئولٍ ما لأي خطأ يحدث.

لقد تابعت عددًا من الحملات التويترية على بعض المسئولين حين حدثت أخطاء فادحة في مرفق من المرافق التي يشرفون عليها، وبدلاً من التشخيص الصادق، والالتفات إلى المشكلة ذاتها، ومحاسبة المسئول المباشر عنها، ركّز محترفو النقد الجماهيري المستفز للعواطف على هوامش المشكلة، وضخّموا بعض عناصرها، بينما العنصر الأهم والأكبر والأخطر لم يستطيعوا أن يقدموا فيه أي حل يستحق الاعتبار والتنفيذ.

لو أن كل خطأ وقع في مؤسسة من مؤسسات الدولة نطالب فيه بإعفاء الرأس الأول فيها، لما بقي مسئول على كرسيه بعد فترة يسيرة من توليه، على أن بعضهم يستحق ذلك بلا شك إذا كان سببًا مباشرًا فيه ولم يقم بواجب التصحيح الفوري.

من الذي لا يخطئ؟! وكيف يمكن لمسئول كبير بحجم وزير أو رئيس هيئة عامة، أو مدير عام لمؤسسة ضخمة بها ألوف الموظفين والموظفات أن يضمن عدم حدوث أخطاء كبيرة أو صغيرة من موظفيه، وقد يكون فيها إضرار بالمواطن أو بالمقيم؟!

إن المشكلة ليست في الخطأ، وإنما الذي يجب أن نبحث فيه دائمًا هو هل هذه المؤسسة تصعد في سلم التطور ومعالجة المشكلات، أم أنها مهملة تمامًا، ولا تزال تجتر الماضي المعلول بالفساد أو بالضعف أو بالجمود.

ومعذرة لكل كاتب غيور، وإن أخطأ في الأسلوب، فالعودة للحق فضل وكرامة.

holybi_Dr@

 



اترك تعليقاً