تفتقر إلى أفكار عصريَّة ووسائل تقنية تجعلها جاذبة
أعيدوا النظر في أساليب توعية الشباب !
وسائل التوعية التقليديَّة لم تعد تناسب جيل اليوم
الأحساء، تحقيق- صالح المحيسن
أكَّد مُختصون على ضرورة إعادة صياغة الإعلانات المُتعلِّقة بإيصال رسائل التوعية إلى الشباب، مُضيفين أنَّها تفتقر إلى وجود أفكار عصرية تُحرِّك مشاعرهم تجاه قضية جوهرية وحساسة ما، إلى جانب افتقارها لوسائل تقنيَّة حديثة تجعل منها إعلانات جاذبة، مُشيرين إلى ضرورة الابتعاد عن طريقة الوعظ البحت؛ لكونه مُنفِّراً في كثير من الأحيان، ولأنَّ العديد منهم لم يعودوا يحتملون الوصاية عليهم من قِبل المحيطين بهم، لافتين إلى أنَّ التوعية يجب أن تكون عن طريق مُخاطبة العقل أولاً، وخاصةً أنَّ الفاصل بين الخطأ والصواب بات بيّناً، كما أنَّ العديد منهم باتوا يمتلكون مفاتيح الوعي، إلى جانب قدرتهم على الاطلاع الواسع في مختلف المجالات، مُشدِّدين على ضرورة إشراكهم في إنتاج هذه الإعلانات، ومنحهم برامج ودورات تطويريَّة تتضمَّن أحدث الأساليب الإنتاجيَّة والإخراجيَّة في هذا المجال.
إعلانات محليَّة
وقال “سعيد محمد الرمضان” – إعلامي، ومخرج أفلام وثائقية وتثقيفية-:”تعود سطحيَّة الإعلانات التوعوية المحليَّة إلى عدم مواكبتها للتطور الكبير في ثقافات الناس وطرق عيشهم”، إلى جانب تأثرها بمواد إعلانيَّة عالميَّة جعلت المُتلقِّي يقيس محتوى تلك الإعلانات ويقارنها بالرسالة الإعلانية المحليَّة”، مضيفاً أنَّ ضعف الاهتمام بما ينشر في الإعلانات المحليَّة يرجع إلى افتقارها لأفكار عصرية تحرك مشاعر الناس تجاه قضية جوهرية وحساسة، إلى جانب افتقارها لوسائل تقنيَّة حديثة تجعل منها إعلانات جاذبة، وكذلك عدم كفاءة العديد من أعضاء الفرق الإنتاجية، مُشيراً إلى أهميَّة احتواء هذه الفرق على العديد من الشباب الواعد؛ لكونهم قريبين من تفكير جمهور الشباب، لافتاً إلى تأهيلهم ومنحهم برامج ودورات تطويريَّة تتضمن آخر أساليب الإنتاج والإخراج الإعلاني.
للمسرح دور مهم في إيصال رسائل التوعية للشباب
فكرة جاذبة
وأضاف أنَّه في حال تمَّ تكليفه بإعداد عمل توعوي بأضرار المخدرات – على سبيل المثال-، فإنَّ ذلك سيسبقه إجراء جملة من الخطوات في سبيل إنجاز هذا العمل، ومنها جمع آخر المعلومات والمستجدات عن أسباب تعاطي المخدرات، ثمَّ وضع فكرة فنية جاذبة لإنتاج الفيلم مع التركيز على المشكلة، إلى جانب وضع خطة إعلامية بكيفية إنتاج الفيلم ونشره على الفضائيات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الاستعانة ب “سيناريست” محترف لكتابة سيناريو فني يعتمد على إبراز فكرة تشويقية ومشاهد محبوكة حبكاً درامياً متقناً، إضافةً إلى تنفيذ نسخة أوليَّة من الفيلم وعرضها على جهات الاختصاص وبعض المخرجين، وأخيراً وضع إعلانات تشويقية تسبق بث هذا الفيلم.
سعيد الرمضان
حبكة دراميَّة
وأكَّد “د.خالد بن سعود الحليبي” – باحث، ومدير جمعية التنمية الأسرية بالأحساء- على أنَّ هناك حاجة إلى تنفيذ دراسة واعية يتم فيها الكشف عن ميول واهتمامات الجيل الجديد، مُضيفاً أنَّ ذلك يُمكن أن يتم عبر ورش عمل، واختبارات تعتمد على العرض والملاحظة، إلى جانب الاطلاع على النمط الذي يستهوي الشباب، مُوضحاً أنَّ الكلمة – مثلاً- لا تُمثِّل سوى(7%) فقط من التأثير، بيد أنَّها تحتاج إلى تعبيرات صوتية، ولغة جسد نافذة تصحبها؛ حتى تصل إلى مشاعر المُستهدف وعقله، وتبقى فيه؛ لتترك الأثر المنشود الدائم، مُشيراً إلى أهميَّة الحبكة الدرامية، وضرورة أن تكون لفتة سريعة وقوية في الوقت نفسه، تترك الذهول والدهشة على مُحيَّا الشاب أو الفتاة، وتهز قناعاته السابقة، تمهيداً لتلقِّيه ضربة أخرى تطيح بتلك الأوهام من رأسه.
د.خالد الحليبي
تصميم جديد
وأضاف “د.الحليبي” أنَّه سُرَّ مؤخراً بالتصميم الجديد الذي تمَّ وضعه على علب السجائر، مُوضحاً أنَّ فكرتها معمولٌ بها في العديد من دول العالم، مُعرباً عن أمله في أن يكون لذلك أثرٌ كبير في امتناع العديد من الشباب عن ممارسة أو التمسُّك بهذه العادة السيئة، مُشيراً إلى أنَّ التركيز على المرض دون تشخيص مُسبباته والوقاية منها؛ يجعلنا ندفع مزيداً من الأموال في الاتجاه غير الصحيح، لافتاً إلى أنَّ وقاية الشباب من بعض الأمور والظواهر والعادات السلبية يجب ان تكون عن طريق زرع الإيمان العميق بالله في نفوسهم، إلى جانب بناء عقولهم بالوعي والتفكير المبدع، وكذلك بالتعامل الأمثل معهم؛ ليشعروا حينها بقيمتهم وإنسانيتهم.
د.هاني الملحم
مُخاطبة العقل
وأشار “د.هاني بن عبدالله الملحم” – مساعد المشرف على إدارة البث الفضائي بجامعة الملك فيصل- إلى انَّه لا يمكن تحديد درجة الوعي لدى العديد من أفراد المجتمعات، مُضيفاً أنَّها تتباين بحسب مقاييس كثيرة، مُوضحاً أنَّه جرت العادة في كثير من الأحيان أن تكون التوعية في لباس الوعظ، مُشيراً إلى أنَّ الوعظ في كثير من الأحيان يكون مُنفِّراً،؛ لأنَّ العديد من أفراد المُجتمع لم يعودوا يحتملون الوصاية عليهم من قِبل المحيطين بهم، لافتاً إلى أنَّ التوعية يجب أن تكون عن طريق مُخاطبة العقل أولاً، وخاصةً أنَّ الفاصل بين الخطأ والصواب بات بيّناً، كما أنَّ العديد من الناس شيباً وشباباً أصبحوا يمتلكون مفاتيح الوعي، إلى جانب قدرتهم على الاطلاع الواسع في مختلف المجالات، مشدِّداً على ضرورة امتلاك الواعظ لأدوات الخطاب المعرفي والإنساني، مُؤكِّداً على أنَّ اللغة وسيلة تنبيه وتقريع وتلطيف، ومن يمتلكها فإنَّه يكون قادراً على إطلاق رسائل التوعية بنجاح.
علي الغوينم
وأضاف أنَّ التقنية الحديثة بإمكانها أن تكون وسيلة ترسيخ للخطأ، أو أن نجعلها خادمةً في بلاط الوعي، مُوضحاً أنَّه بالإمكان استخدام كافة وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب تأسيس مواقع قابلة للتحديث؛ وكذلك الإفادة من الصور الثابتة والمُتحرِّكة؛ من أجل إيصال العديد من الأفكار الإيجابيَّة ودعوات الصلاح والاستقامة للمُتلقِّي، مُشيراً إلى أنَّ إيصال رسائل التوعية قد يتطلَّب أحياناً ابتكار موقف يؤدي لإحداث الصدمة، إلى جانب صناعة المواقف وتوظيفها في خدمة أخذ الآخرين نحو الوعي، مُبيِّناً أنَّ الوعي عبارة عن تحريض مُقترنٌ بفعل وردة فعل، وبالتالي فإنَّه من المُمكن استخدام أيَّة وسيلة ناجعة طالما كان من يقودها ذا عقل واعٍ، مؤكِّداً على أنَّ الإعلانات التوعويَّة لا تحتاج للتعقيد، بل تحتاج إلى الشفافية، ذاكراً أنَّها من المُمكن أن تكون على شكل فيلم تسجيلي، أو صورة مُعبِّرة تختزل كتاباً يحتوي العديد من الصفحات، داعياً إلى تطويرها، وتقريبها من الواقع، لافتاً إلى أنَّ التصويب نحو الهدف أكثر نفعاً من الالتفاف حوله.
إعادة صياغة الإعلان
وبيَّن “علي بن عبدالرحمن الغوينم” – مخرج مسرحي، ومُتخصِّص في علم النفس- أنَّ الرسالة التوعويَّة اختلفت عمَّا كانت عليه قبل (30) عاماً، مُضيفاً أنَّ المسرح أصبح يؤدِّي أدواراً غير مباشرة في هذا الشأن، ويجعل المُتلقِّي يتساءل بينه وبين نفسه، بحيث أصبح هو بنفسه من يضع الحلول؛ عبر مشاهدته ومعايشته للعديد من المواقف، مُوضحاً أنَّه من الضروري إعادة صياغة الإعلان؛ لتوضيح الصواب من الخطأ، مُشيراً إلى أنَّ ذلك يُمكن أن يكون عن طريق دراسة ما يلفت نظر الناس، والتركيز على اهتماماتهم، إلى جانب التركيز على النواحي النفسية عبر مُلامسة الأمور البصريَّة، لافتاً إلى أنَّ هذا هو ما يُعرف في علم النفس ب “الاقتران الشرطي”، مُشدِّداً على ضرورة التخلُّص من الإعلانات التقليديَّة، داعياً إلى سبر أغوار المُتلقِّي، والتعرُّف على نفسيته وطباعه وبيئته الاجتماعيَّة؛ حتى يتم بذلك التأثير فيه.
علاج جماعي
وأضاف “الغوينم” أنَّ للمسرح دوراً مهماً في جانب التوعية، مُوضحاًً أنَّ العديد من العاملين في مجال المسرح في حال رغبوا مناقشة ظاهرة معينة أو علاج مشكلة ما، فإنَّهم يُحيلونها من على صفحات الورق إلى خشبة المسرح ليتم التعاطي معها بشكل مرئي، مُشيراً إلى أنَّ وضع القارئ خطوطاً تحت الجمل أو الكلمات المُهمة في الكتاب الذي يقرؤه، أشبه ما يكون بالخطوط التي يضعها المخرج على خشبة المسرح، والمُتمثِّلة في المؤثرات السمعية والبصرية، لافتاً إلى أنَّ المُخرج حينها يعمد إلى وضع بقعة ضوئيَّة “سبوت لايت” على المُمثِّل المُستهدف بينما يتم تحييد باقي خشبة المسرح عن ذلك، مُبيِّناً أنَّ التركيز هنا سيكون على العنصر المُضاء فقط، مؤكِّداً على أنَّ المُتعة البصريَّة والسمعيَّة موجودة مع الحدث المسرحي، وهي التي تؤثر على المُتلقِّي، ذاكراً أنَّ ذلك يُسمَّى “سنوغرافيا”، وهو يشمل الديكور والفضاء المسرحي والموسيقى والإضاءة ولغة الجسد والحِّس الفني، وبالتالي فإنَّه يتم توظيف هذه الأمور مُجتمعة لتوصيل الرسالة التوعوية.
ولفت إلى وجود نوع جديد من المعالجة الدراميَّة التي تعتمد على العلاج النفسي “سيكودراما”، مُشيراً إلى أنَّ هناك كاتباً مُتخصِّصاً يكتب قصة الشخص المُستهدف، على أن يتم توزيع الأدوار على عدد من الممثلين – “طريقة العلاج الجماعي”-؛ لتجسيد الشخصيَّة المطلوبة بحيث يشاهد الشخص التمثيلية كاملة، مُوضحاً أنَّ الهدف من ذلك هو أن يرى نفسه من خلالهم، وبذلك يتم وضعه على المحك، مُضيفاً أنَّه يتم منح المُستهدف حُريَّة اتّخاذ القرار المُناسب لحالته، مؤكَّداً على أنَّ هذه الطريقة نجحت في علاج الكثيرين، وخاصةً عندما تتضمن موقفاً صادماً يجعل المريض يعود إلى الواقع، مُعتبراً أنَّ نجاح العديد من الشباب في الأفلام القصيرة ومقاطع “اليوتيوب” والمشاهد المسرحيَّة يدعو إلى توظيف قدراتهم لإيصال العديد من رسائل التوعية لأقرانهم، مُشدِّداً على ضرورة استخدام الطرق العلمية والمهنية، وعدم الانفصال عن الواقع، وتوظيف مختلف وسائل التواصل الاجتماعي؛ للنجاح في إيصال رسائل التوعية لكافَّة شرائح المُجتمع.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.