يا ليت عندنا مثله!

عاد مئات الآلاف من السياح إلى البلاد، بعد أن زاروا آفاق الأرض، وغالبا المناطق الأكثر تقدما في السياحة، ولأن السياحة صناعة، وتجارة، وتعتمد على المنافسة والاستقطاب والاجتذاب، فلا غرابة أن تتكثف فيها آخر ما توصلت إليه التقنيات العالمية، وتجتهد الدولة في جعله متكامل الخدمات، ويتبارى رجال الأعمال في الاهتمام بالجودة العالية، والتجديد الدائم؛ فالسياحة أصبحت من أبرز الموارد المالية لتلك الدول.

وبطبيعتنا البشرية فإننا سنقول كلما رأينا ما يدهشنا، أو ما ينقصنا، أو ما لم نجده في بلادنا: يا ليت لنا مثله، وهي كلمة إيجابية إذا تجاوزت حدَّ النقد الأجوف، الذي لا يتعدى ذكر النقائص التي لا يسلم منها أحد، وحدَّ التبرم الذي اعتاده بعضنا، وحدَّ الشعور بالنقص الذي وصل إليه بعض الناسِ.

لدينا كثير مما ليس لدى غيرنا، ولدى غيرنا كثير مما ليس لدينا، المهم هو كيف يمكننا أن ننقل تلك الخبرات إلى كل مفاصل البلاد، وليس إلى المناطق السياحية فقط، ذلك هو التقدم الحضاري، الذي ينظر إلى الإنسان؛ ليسعده، وليس ليثريه ماديا فقط، فإن أكثر الدول تقدما في الجانب المادي/الجسدي، هي أكثر الدول انتحارا، وفي النمسا واليابان مثالان ساخنان، لم تستطع كل أبحاثهم ومحاولاتهم أن تحد من تلك الظاهرة الشهيدة على التخلف الروحي لديهم، بل والتخلف المادي أيضا؛ لأنه لم يستطع أن يشبع حاجات الإنسان كلها بتوازن يضمن استمرارية بهجته بالحياة.

إن الإيجابية المتوقعة من (مواطن) يحب وطنه، ويسعى في تنميته أن يسجل كل ما لحظته عيناه مما يعتقد أنه لم يصل إلى بلده، من فكرة جديدة، أو مشروع بديع، أو حل لمشكلة، أو حملة وقائية، في أي مجال من مجالات الحياة المختلفة.

ثم يتقدم أكثر في الإيجابية؛ فيكتب ما أعجبه في صيغة خطاب مزود ببعض المعلومات التي يمكن استكمالها من مصادر المعلومات المتوفرة على الشبكة العالمية، ومرفقا الصور اللازمة، ثم يقدمه إلى الوزارة أو الهيئة المعنية بتلك الخدمة، ويمكنه أن يتابع مشروعه حتى يصل إلى قرار؛ (نعم) أو (لا).

يمكنه أن يضعها في شكل مقالة، أو يتفق مع صحيفة محلية لعرضها في شكل من الأشكال الصحفية المختلفة؛ لتصل إلى صاحب القرار، أو مع رجل أعمال يمكن أن ينفذ الفكرة مباشرة، أو إلى أي إنسان، أو جهة يمكنه ويمكنها تحويل الفكرة إلى مرفق من مرافق بلادنا رعاها الله تعالى.

ومن أبرز ما قد يرد على لسان من يقرأ هذه المبادرة، أنني لست معنيا بالحل، أنا كاتب، أضع يدي على مواضع الخلل، وللجهة المعنية أن تبحث عن الحل، أو أنا مواطن، ومن حقي أن أحدد احتياجاتي، أو أبدي رأيي أو أنتقد خدمة تقدم لي، ويبقى على الوزارات والهيئات أن تدرسه وتنشئ المشروعات اللازمة له.

كلا .. فتلك مقولات مغلفة بالحق، ولكنها سلبية، لا تتناسب مع عهد التطوير والتنمية، فليكن المواطن صاحب مبادرة، وصبر، وتفاؤل، واستعداد للموافقة وعدمها، فليس رأيي دائما هو الصواب، مع وجود آراء الآخرين.

ولصاحب القرار في أية جهة خدمية أن يطور من أدواته في تلقي آراء الجمهور، عن طريق فتح حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى موقعه الرسمي، بل وفتح مكتب لاستقبال المقترحات في دائرته، ورائع للغاية أن يبلغ صاحب الفكرة أن الجهة أخذت برأيه، ويكرم في تدشين المشروع أو عند الانتهاء منه، أو حتى عند ظهور نجاحه.

إذن .. لا تقل: يا ليت عندنا مثله، ولكن .. بادر واسع ليكون لدينا مثله.



اترك تعليقاً