للحب تشدو الحياة

لم أجد مثل العمل الخيري ميدانا لانطلاقة الروح في آفاقها السامية، تستحث الأرض الهامدة لتكون مرآة للسماء المعشوشبة بالنجوم والأقمار والشموس.

أرواح تعشق الحياةَ .. فقط لأنها تبني حياة أجلَّ منها وأرقى، وتبرع في رسم الآثار؛ لا لتحنط في المتاحف، ولكن لترقم في السجلات التي لا تُفتح خواتيمُها إلا في يومِ تبيضُّ فيه الوجوه، حين يتشاغل كثيرون بماضيهم الآفل، وحاضرهم الهارب، تنشغل تلك الأرواح العلية بما وراء ما ترى؛ لأنها تتيقن تلك الرؤى أكثر مما يتراءى للعين هنا؛ التي قد تَكذبُ أو تُكذَّب.

من هناك .. من مركز (الحب) مركز التنمية الأسرية بالأحساء، جاء المنتدى الأسري السادس على سحائب المعروف، يسبح في فضاءات النور، ليعيد الكلمة الغائبة إلى مملكتها الجميلة، (أُحبُّك)، هذا كل ما أراد هذا المنتدى أن يقوله لكل إنسان يريد أن يسعد بحب ربه عز وجل، وبمحبة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويتقلب في أنعم الله تعالى عليه بقرة العين بين والدين غمراه بحبهما؛ حتى فاض به على زوجه وأولاده، وصار أحد معالم وطن الحب والخير والجمال، يتبادلان الحب لغة وعملا.

 (الحبُّ) روضة فينانة، وقلوب كبيرة، وأعينٌ تفيض بالحنان.

(الحبُّ) حقيقية كونية، والحاجة إليه حاجة وجود بشري، وحاجة نفسية في حقِّ الذات، تبقى تنزُّ وتتلوَّى حتى تُسقى، وتُرعى، وتكبر.

وإذا أردنا أن نؤسس للحب في بلادنا؛ لنوقف هذه المعارك الكلامية، و(أول الحرب الكلام) كما يقولون، فيجب أن نُوقف تلك المعارك اليومية وراء الأبواب الموصدة، والنوافذ المستورة.

إن كثيرا من الآباء يقولون: (ما يعطيك من مالك وعيالك إلا الله)، ويقصدون بذلك أن الله هو الذي يهدي لك أولادك فيبروك، كما أنه هو الذي ينفعك بأموالك فتصرفها في سعادتك، وهو قول حسن صائب، لولا أنك تشتمُّ منه رائحة التواكل المذموم، فإذا كان الرزق بيد الله تعالى، فإن ذلك لا يعني أبدا أن نتواكل ونترك طرق الأسباب، علَّ السماءَ تمطرنا ذهبا وفضة، فلا بد من العمل والكدح، ولا يعني ذلك استحالة ورود الرزق دون عمل فـ {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}، ولكن يجب ألا نتواكل؛ فندع الجهد المبذول، وإلا فسدت الحياة.

وكذلك الأمر بالنسبة للتربية، فإن الذي قال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [سورة القصص 28/56]، هو الذي قال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة الشورى 42/52]، فإن أولادك لن يبروك إلا حينما تحسن إليهم صغارا، وتنشئهم على طاعة الله تعالى، وترعاهم وتربيهم شبابا، هناك للوالدين أن ينتظرا البر إذا شاء الله، ولكن ـ مع ذلك ـ فربما صلح الولد دون جهد منك، فيبرك يبتغي بذلك وجه الله تعالى، ومدار الأمر على الصلاح، وصدق عمر بن عبد العزيز الذي قال: “الهداية من الله والأدب من الآباء”. ومن هنا يمكن أن تبدأ الرحلة الأسرية مع أعذب المشاعر، بين الآباء والأبناء؛ بعد أن ترسخت بين الزوجين/الوالدين، فأصبحا عشيقين، يرددان، نريد أن نعيش نسويا، ونرحل سويا!!

لا تعجب من (نرحل سويا) هذه، فقد حدث ذلك كثيرا، والفارق أحيانا دقائق، أو أيام، أو أشهر فقط .. بل قال (شريح) حين ماتت حبيبته: “وددت والله أني سبقتها، أو أنا متنا في يوم واحد”.

الحب سياج المروءة بين الزوجين، وصيانة الروح والقلب والجسد للأولاد ذكورا وإناثا، فيا ليت قومي يعلمون!!

 

 



اترك تعليقاً