أينما تقيم.. أبعث إليك برسالتي هذه..، فإنك تقوم مقاما عظيما، تمثل فيه خادم الحرمين الشريفين، وملك المملكة العربية السعودية، ودار الإسلام الأولى، وشَعبا وفيَّا يحب أن يبدو للعالم بأرقى خلق، وأنقى سريرة، ولا شك أنك تنمذجه في كل سلوكك، مع الملوك والأمراء والرؤساء، ومع المسؤولين والسفراء؛ ممن يمثلون بلادهم أيضا، وتمثل كل سعودي في تعاملك مع عامة ذلك الشعب الذي تعيش بين أفراده، وغالبا ما يأتي أحدهم إلى سفارة المملكة بوجه وروح غيرهما حين يدخل أية سفارة أخرى، إنه يشعر بأنه سيلقى أحد أحفاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة، وأنه اقترب أكثر من أروقة المسجدين الخالدين حين اقترب من بوابة مكتبك، لاسيما حينما يكون مسلما يريد الحج والعمرة، أو الزيارة، فالأشواق في نفسه لها غَدوةٌ ورَوحة، وقد جمع لها المال منذ أمد، وودع من أجلها الولد. أو يكون آملا في العمل لطلب الرزق في زمنٍ شحت فيه أبوابه في دياره، فأصبح مضطرا؛ ليغادر الدار التي فيها نشأ، ويغيب عن أهله ومصالحه سنوات متعاقبات.
كل هؤلاء لهم فيك مأمل، ولك فيهم أجر، مع علمك بأنه واجبك الذي تركت وطنك من أجل أن تنهض به، أو قل جئت بوطنك كله مختصرا في سفارة يرفرف فوقها علمٌ يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، علمٌ لا ينحني أبدا، فأصبحت بين خيارين؛ إما أن يكون لك في تلك الديار (بصمة) لا تزول على مر العصور، أو تمر بك الأيام والسنون؛ حتى تنقضي فترة تكليفك، دون أن تقوم بعمل يخلد ـ هناك ـ ذكرك، ويرضى عنك ـ في القيامة ـ ربك.
إنك تستطيع أن تكون سببا في بناء مسجد، أو تشييد مركز، أو دعم جامعة إسلامية، أو استقطاب متميزين عرفوا باستقامة المسلك؛ فتسهل لهم فرصا دراسية في جامعاتنا، ضمن المنح السخية التي تبذلها بلادنا للشباب المسلم في كل مكان، وقد رأيتَ أثرها أنت أكثر مني، وكيف أصبح هؤلاء الشبان رموزا للدين الوسطي المعتدل، المتحلي بالعقيدة الصافية النقية، ولا يزالون يحفظون لهذه الأرض الطيبة تلك النعمة التي أسدتها لهم، ويدافعون عنها، ويحبونها، ويتمنون أن يخدموها، وكم سدَّت هذه المنحُ منافذ المتربصين بإخواننا المسلمين هناك، أولئك الذين يغرونهم بالمال والفرص العلمية، التي قد تبدو في أول الأمر أنه لدراسة الطب أو الهندسة أو نحوهما، ولكنها في الواقع محاولة لتغيير عقيدتهم، والتأثير العميق في توجهاتهم، ليعودوا ـ بعد ذلك ـ لينشروا أفكارهم ومبادئهم في بلادهم، ابتغاء السيطرة على مناطق النفوذ، والتأثير في مصادر اتخاذ القرار، بل وأبعد من ذلك؛ التأثير في التشكيل السكاني، ومن ثم التأثير في نتائج الانتخابات في أي منحى من مناحي الحياة.
سعادة السفير .. ولستُ في حاجة أن أذكرك بشباب وفتيات بلادك، الذين تدفقوا على تلك الديار من أجل الدراسة، فإنك والدُهم في غياب والديهم، واهتمامك بهم ينبغي أن يتجاوز حدود متابعة أوراقهم الرسمية، ومراقبة سيرهم العلمي، وهما مهمان بالطبع، ولكن لن يحفظ هذا وذاك إلا أن يكون للسفارة دور في استقطابهم إلى برامج تعزز فيهم انتماءهم لدينهم، ولوطنهم، ولحسهم المجتمعي الذي يُخشى أن يضعف في أجواء تعجُّ بما يلهي ويطغي.
أعلم ثِقل المسؤولية التي تحملها على عاتقك، ولا سيما في ظل تزايد أعداد المبتعثين والمبتعثات، ولكنك جدير بابتكار الأساليب التي تدرس بها واقعهم، ثم تضع الحلول التي تعالج جذور مشكلاتهم، وقد تجد من بينهم من يعينك على بعضهم، ورُبَّ رسالة منك إلى أحدهم تعيده إلى الجادة من جديد حين تنحرف به الطريق عن المسار الذي سافر من أجله، وإذا لم يستجب، فمن الواجب أن يعلم أهله الذين يأملون أن يعود إليهم بشهادة تشرفهم، ولا يعلمون بما اكتنف ابنهم من تفريط في ابتغاء الهدف الذي جاء من أجله.
شكرا لك هذه الدقائق التي منحتها لتلقي مشاعرَ وأحاسيسَ أبت إلا أن ينبس بها القلم، لتصل إلى أضواء عينيك الكريمتين الساهرتين على مصالح وطنك.
حفظك الله ورعاك، أنت ورعاياك.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.