معالي الوزير

حديث القلب للقلب

معالي الوزير

د.خالد الحليبي

هل تأذن لي ـ معالي الوزير ـ أن أدخل قلبك بلا استئذان؟ أم أنه لا بد من أخذ موعد قبل ذلك؟ لا بأس، دعني أتحدث إليك حديث القلب للقلب؛ وقد تسنَّمتَ مكانا عليا، ومسؤولية جسيمة، وهمًّا كبيرا.

طبيعة الحياة، في تعاقب البشر وفق ما قُدر من أقدار، تلك التي طوت صفحة من قبلك بكل ما فيها من منجزات أو إخفاقات، وكشفت للناس صفحتك، لتسجل فيها ما أردتَ من آثار تُبقيها شواهد دنيا وأخرى على قيامك بأمانتك، التي قلدك إياها إمامُ هذه البلاد وقائدها ومليكها خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ورعاه ـ، فانظر في أمرك، واجمع على نفع الناس شملك، واظفر بما يخلد اسمك في سجل الظافرين المظفرين في حياتك وبعد لقاء ربك.

معالي الوزير.. الإنسان هو أُسُّ التنمية وزعيمها، وأما المقدَّرات والإمكانات فيعتريها المدُّ والجزر، والزيادة والنقصان، ويبقى الإنسان هو الإنسان، ولذا فإن من الضرورة لمضاعفة الإنجاز، من الاهتمام أولا بالموظف الذي يقوم بالخدمة بتدريبه وتحفيزه، ومنحه حقوقه وزيادة؛ حتى يحب وزارته، ويحب عمله، وهناك فإنه لن يدخر وسعا للعطاء بلا حدود.

إنك ـ اليوم ـ أمام وزارة قائمة، فيها من ثبتت جدارته، ونجح من سبقك في استثمار ثوابته، فينبغي الاستمرار في إغداق ماء الحياة على حقوله، والسعي في توسعة منافعه ونجاحاته. ولك أن تعيد دراسة أوليات الاحتياجات من جديد، بطريقة علمية، لتقدم ما يستحق التقديم، وما يكون له تأثير في تحسين غيره، فالمعالج المِهني يأتي المشكلةَ من الأساس، ولا ينشغل بأعراضها، أو يتسلى ببرامج هي أشبه ما تكون فقاعات صابون تتبلور بأجمل الألوان، فتبهر الأنظار، وتستمطر الثناءات، ثم تنفجر مخلفة تساؤلات حيرى، لماذا كل ذلك الإنفاق على ما لا حاجة إليه، ولماذا لم ندرس جدواه قبل أن ننفق عليه، ولماذا لم نقم بقياس أثره قبل أن نستمر فيه؟

وإن من أبرز ما يسرع بالأثر المرتقب لخدمة الإنسان على تراب هذا الوطن المقدس، هو تمكين القدرات الوطنية المخلصة من خدمة وطنهم (القوي الأمين)، وتسهيل الإجراءات للمستفيدين من الخدمات التي تقدمها وزارتكم الموقرة، والتخطيط الإستراتيجي لأربع سنوات على الأقل، تكون فيها الرؤية واضحة، والرسالة محققة لها، والأهداف كالأقمار في أعين منسوبي الوزارة، لا يخلو منها جدار مكتب من مكاتبها، والقيم ماثلة في تعاملهم أكثر من مثولها في اللوحات المعلقة أمامهم.

معالي الوزير، أنت جزء من أمن هذا الوطن واستقراره، حتى وإن لم تكن وزارتك عسكرية، فالرقي في معارج سد الاحتياجات وتلبية المطالب وتحقيق الطموحات لدى المواطن الواعي، هي دعائم للأمن ينبغي ألا تقبل أن تمتدَّ إليها يدُ عابث، أو موظف مستهتر لم يفهم من عمله سوى الحضور الباهت، والحصول على مرتب في آخر الشهر، فإما أن يقوم بعمله بقدر طاقته الكاملة، أو ينصرف؛ ليحل محله أحد الواقفين في طابور الانتظار، فربما تجد هناك شابا أو فتاة لا يحمل أحدهما غير شهادة علمية، يكون خيرا ممن يظن أنه يحمل شهادة (الخبرة) لمدة كذا وكذا، وهو لا يملك سوى رقم من سنوات (الخدمة).

معالي الوزير، إن استثمار كل إمكانات الوزارة في خدمة الوطن والمواطن هو غايتك التي جئت من أجلها، ولذلك ينبغي أن يكون حاضرا بقوة في كل خطط الوزارة، ولكن الحقيقة تقول: إن الطاقات البشرية في الوزارة محدودة مهما بلغت، وإن هذا الاستثمار سوف يتضاعف لو أحالت الوزارة عددا كبيرا من أعمالها إلى شراكات، سواء من القطاع الثالث غير الربحي، الذي أثبت جدارته في مقدار (الجودة) التي يؤدي بها أعماله، أو القطاع الخاص، أخصُّ منه المخلص؛ الذي تمت تجربته وقت استلام المشروعات منه وهي تامة متميزة، وليس المتسلق وقت تسليم المشروعات له؛ حيث الوعود التي لا حدود لها.

أيها الوزير المبارك، بلادك تستحق كل ما تقدمه لها من طاقتك وسهرك وتعبك، وتلك طبيعة المسؤولية العظيمة التي أنيطت بعاتقك، وأنت ـ إن شاء الله ـ أهل لها، وفقك الله لكل خير، وأسعدك وأسعد بك، وحقق بك الآمال المتطلعة إلى نجاحك.

 

 



اترك تعليقاً