والد ديزني .. مدينة لا تكتمل

والت ديزني

مدينة لا تكتمل

د.خالد الحليبي

«لن تكتمل مدينة ديزني لاند أبدًا، طالما ظل هناك خيال في هذا العام»، قالها مؤسسها والت ديزني، الذي عُرِف بكونه راوي قصص بارعا، ونجما تلفازيا كبيرا، ومع فريقه، اخترع عددًا من الشخصيات المتحركة الأكثر شهرة في العالم، ومن الذي لم يشاهد (مكي ماوس) مثلا؟!

لست بصدد تقويم (أفلام الرسوم المتحركة) وبيان أثرها الإيجابي أو السلبي، ولا التحسر على فداحة فشل الإعلام العربي والإسلامي في بلورة شخصية تحمل هويته في هذا المجال، ولكني في معرض تحليل بعض أسرار نجاح هذه الشخصية التي حققت أهدافها بنجاح مبهر.

وإذا كان نجاحه أكبر من التدليل عليه، فإن (والت ديزني) يعد أكثر شخص في التاريخ حصل على أكبر عدد من جوائز الأوسكار، فقد فاز باثنتين وعشرين جائزة (أوسكار)، وترشح لسبع وثلاثين، إلى جانب حصوله على ثلاث جوائز أوسكار تكريمية فخرية.

فكيف حقق كل هذه النجاحات؟

بالعودة إلى طفولته، نجد أنه من أسرة كادحة، تقدس العمل، وتحصل على رزقها بعرق جبينها، فأحب العمل مبكرا، حتى عمل وهو طفل في مجال الصحف في وقت الفراغ، وفي الليل كان ينمي المهارة التي يجد ميوله فيها، والتي ظهر جليا فيما بعد انها التي تمثل مفتاح نجاحه، ولا شك أن من يعثر على الاتجاه الذي يتوافق مع قدراته الفطرية في وقت مبكر، فإنه يكون قد ربح سنوات من حياته، تضيع على كثيرين، الذين لا يدركون ذلك إلا بعد عقود من أعمارهم.

تلك المهارة هي (الرسم)، ولم تكن مجرد هواية يمكن أن يمارسها في المنزل بأدوات محدودة، ولكنه اختار أن يتعلمها باحتراف في فصول مخصصة لها، بعد الدراسة النظامية صباحا، والعمل مساء.

وقامت الحرب العالمية الأولى، فترك المدرسة في السادسة عشرة من عمره؛ ليتطوع برغبة جعلته يغير سنة ميلاده في الأوراق الرسمية ليُقبل، ولذلك دلالة على همة عالية، وعشق للمغامرة، واستكشاف مزيد من دهاليز الحياة، وإقدام هو احد أهم مفردات الإبداع الخلاق.

وبعد الحرب، اختار أن يعمل في المجال الذي يحب وهو الإعلام، مع إحدى المؤسسات، ثم وضع قدمه على خطوة جديدة ومغامرة شبابية جديدة، حين اشترك مع صاحب له في تأسيس شركة دعاية وإعلان، ولكنه سرعان مع وجد أن هذا ليس طموحه، فصار ينتج أفلام الرسوم المتحركة ويبيعها لصالحه، خسر في البداية حتى أعلنت شركته إفلاسها، ولكنه نهض من جديد بمساعدة أسرته، حتى حقق هدفه الذي كان يطمح له.

كان يعلم جيدا أن (العميل) هو الذي يجب أن يفكر فيه دائما، كيف يلبي احتياجاته؟ ما الذي يرضيه؟ وإذا كان عملاؤه هم الأطفال، فيجب أن يتعرف جيدا على طبيعة هذه المرحلة وخصائص نموها، وآفاق رغباتها، وما الذي زهَّدها في منتج سابق؟ وما الذي يجعلها تضحي بكل شيء من أجل اختيار منتج آخر؟ فراحت شركته ترتقي سلم النجاح درجة درجة، حتى قرر بجدارة: “ان كل أحلامنا ممكن أن تتحقق إذا كانت لدينا الشجاعة لمتابعتها”، وليس فقط أن نظل نحلم بها، ونتحدث عنها، وننهزم عند أول عائق يوضع أمامها، وهي قضية بشرية مطردة، وليست خاصة به بالطبع.

على أن النجاح في تحقيق الأحلام لا يعني أن نقف عند عتبة تحققها، بل النجاح الحقيقي، هو البحث عن قمة أخرى تستحقنا، لتكون المنصة الجديدة لانطلاقة أخرى، والتفكير (الدائم) في فضاءات جديدة لم يسبق للبشر أن حلقوا في أجوائها، ولذلك قال ما قال في مطلع هذا المقال.



اترك تعليقاً