احتياجات المؤسسات الأسرية

مراجعة شاملة لخدماتها

احتياجات المؤسسات الأسرية

د.خالد الحليبي

تعرضتُ في المقالة السابقة لاحتياجات الأسرة السعودية؛ لألفت النظر إليها، ليبدأ المعنيون بها بدراستها وترتيبها في سلم الأوليات، للعمل على تلبيتها ومعالجتها، ولن تستطيع الأسرة اليوم أن تلبي احتياجاتها الأساس إلا من خلال المؤسسة المعتمدة رسميا؛ للقيام بهذه المهمة، حيث يقوم خبراؤها ومختصوها بتكوين بيئة قادرة على الإنتاج الموازي والمواكب لما يستجد من احتياجات وفرص تحسين، بل وتكون قادرة على استشراف المستقبل، بدلا من التفاجؤ والصدمة بأي أمر جديد.

ولن تستطيع المؤسسة الأسرية الخدمية، التي تتعامل مع المستفيد الأخير أن تقدم الخدمة (إرشاد، تأهيل، إعلام، إصلاح، …) بطريقة مهنية علمية، إلا إذا تأهلت هي للقيام بهذه المهمات الدقيقة، سواء في قدراتها التنظيمية الإدارية، أو قدراتها البشرية.

ومن خلال عدد من ورش العمل التي عقدها مركز بيت الخبرة للبحوث والدراسات الاجتماعية الأهلي للخبراء والعاملين في هذا المجال، تبين أن أبرز احتياجات المؤسسات الأسرية في بلادنا المملكة العربية السعودية هي: رسم خارطة للمؤسسات الأسرية الموجودة حاليا، أي وضع (أطلس) يحتوي على معلومات كاملة عن المؤسسة وسبل التواصل معها والخدمات التي تقدمها، فالمستفيد لا يعرفها أحيانا، ويمكن أن يضاف مدى احتياجها، وما تفتقده، سواء بمبادرة منها، أو من خلال تقييم جهة مختصة في الجودة والتطوير المؤسسي، ويمكن أن تتحول إلى بوابة إلكترونية قابلة للإضافة المستمرة من خلال منسق دائم.

كما تحتاج تلك المؤسسات إلى تحديد نطاقاتها البشرية، وتفتيت تلك النطاقات بحيث يمكن إدراك الاحتياج لكل فئة، ووضع الخطط اللازمة لتطويرها ومعالجة مشكلاتها.

ولعل من أوليات الاحتياجات: بناء أنموذج مؤسسي لمنظومات التنمية الأسرية؛ ليكون قابلا للقياس، وليسهل على ما يستحدث من منظومات البدء الفاعل بكلفة أقل.

وتحتاج المؤسسات الأسرية إلى مراجعة شاملة لخدماتها، والبحث في آخر ما أنتجته دوائر المعرفة ومراكز الأبحاث والمؤسسات العالمية في مجال الإرشاد الأسري؛ لتتمكن من استخدام أحدث الأساليب والحلول المتكاملة للقضايا المعروضة عليها.

ومما ينبغي المسارعة فيه تنمية قدرات ومهارات العاملين في مجالات الأسرة، واستثمار رغبة غير المختصين للدخول في عالم الإرشاد، بفتح المجال أمامهم من خلال برامج أكاديمية (دبلوم، وماجستير) وبرامج تنموية تكوينية، يقدمها المختصون لهم، ثم يتم اختبار قدراتهم على القيام بمهام الإرشاد بشكل صحيح وعلمي.

ويفتقد كثير من المؤسسات الأسرية القدرة على توظيف تقنيات الاتصال والإعلام الاجتماعي لخدمة عملها، وأهم من ذلك بعدُ كثير منها عن استثمار الدراسات والأبحاث العلمية في مجالات التنمية الأسرية، وهي كثيرة ومتاحة من خلال أبحاث أساتذة الجامعات السعودية أو الخارجية التي قدمها لها أبناؤنا.

وكما أن كثيرا من المؤسسات الخدمية العامة تحتاج إلى تأهيل لتصل إلى الاعتماد المهني، فإن مؤسسات الأسرة في حاجة أشد إلى ذلك، فهي في حاجة إلى دليل إجرائي لتأسيس مؤسسات التنمية الأسرية، ودليل معايير وكفايات المرشدين الأسريين، ودليل لأخلاقيات المهنة، وحقائب تدريبية معتمدة لتأهيلهم، ودليل للتقويم المؤسسي والتخطيط التطويري.

ومن الاحتياجات اللازمة: أن توجد بيوت استدامة مالية لتلك المشروعات الخيرية الأهلية غير الربحية، وتوفير الفرص لمنح عام، ومنح خاص، ومنح ذكي، وتوفير بنك للمشروعات الأسرية، والتأصيل الشرعي للأعمال التي تقوم بها، والتعرف على قربها من معالم القواعد الفقهية، وتحقيقها للمقاصد الشرعية، والإيمان بأن التعامل مع المشكلات بطريقة علمية يؤدي إلى تخفيض التكاليف الباهظة لمردودات العواقب الوخيمة لها، وهي قضايا نظرية لها أثر مباشر وقوي على الجانب العملي.

مثل هذه المتطلبات تحتاج إلى أن تقوم الكليات والأقسام العلمية بدورها في دعم مؤسسات المجتمع المدني بخبراتها العلمية لتحقيق الكفاية المهنية، كما نتوقع من وزارة الشؤون الاجتماعية أن تدعم هذا التوجه المؤسسي؛ لتكون كل المؤسسات الأسرية داخل منظومة إستراتيجيتها الشاملة، وهنا نوفر جهدا ووقتا ومالا، ونصل إلى هدفنا الشرعي والوطني ببناء أسرة مستقرة قادرة على الإسهام في البناء الكلي لوطن آمن متطور بإذن الله تعالى.



اترك تعليقاً