بعيدا عن جلد الذات
استثمروا الشباب حتى لا يُستغلوا
كل مخلص في هذا الوطن المتعايش بأمان لا يزال ينزف مع المصابين في الدالوة والقديح والعنود، الإرهاب يحاول خرق سفينة المجتمع، ولا تكفي يدٌ واحدة لسده، وتحديد مصدره الآني يجب أن يكون بدقة متناهية، حتى وإن كانت هناك أسباب ومصادر أخرى، فإن تحديد الهدف يجعل المنال أقرب، والخطة أنجح، ويجمع شتات الجهود المحلية كلها في اتجاه واحد.
(داعش) أعلنت أنها مسؤولة عن كل هذه الجرائم، والأدوات البشرية التي غررت بها من شبابنا ليسوا ثمرة ثقافتنا الشرعية، وإنما هو مسخٌ مشوه خارج على السياق، رافض لكل الأطروحات التي تتبناها المؤسسات التعليمية والشرعية الموثوقة، ولذلك فإن توجيه أية اتهامات لأية جهة تعليمية أو ثقافية أو شرعية (رسمية) هو من جلد الذات، ويخدم (داعش) مباشرة؛ لأنه يبرئها بطريقة أو بأخرى، وينأى بالسهام عنها.
ليست القضية مجرد تسجيل موقف من هذه الأعمال السفاحة، بل لابد أن تستثمر كذلك في صناعة مشروع وطني موسع، يستهدف خطة متطورة عن الخطط السابقة، التي استطاعت أن تطوق نشاط (القاعدة) وأن تحد من أثرها في المجتمع المحلي.
وهو عمل يمكن أن تتكامل في أدائه وتوزيع أدواره مؤسسات التعليم المختلفة، ومنظمات العمل الاجتماعي المحلي، والمؤسسات الشرعية الرسمية والتعاونية، مع أهم منظمة على الإطلاق وهي منظمة: (الأسرة).
إن أكثر هؤلاء الشباب المتأثر بهذا الفكر الخطير هم من أسر لا تؤمن به، بل تُفجع إذا فاجأها ابنها بفكره الضال، لكنها تكون في غفلة عنه، وهو يطرح فكرة خطيرة، أو يديم التواصل عن طريق الإنترنت مع جهات مضللة همها أن تجيش أبناءنا ضدنا، ولا تأبه بابنها وهو قلق جدا، ويبدي استياءه من واقع بعض القضايا في البلاد المشتعلة قريبا منا، وتعاطفه مع المنظمات القتالية المنحرفة الفكر كالقاعدة وداعش، ولا تستنكر إرساله مقاطع الذبح الداعشي، أو أفلام التبختر الحربي الذي ينسجون به أحلاما بطولية لشباب يحترق من خلال صور الدمار التي تمر أمام عينيه كل يوم، حتى يحس أنه يخذل إخوانه في الدين، وأنه لا يقدم لهم شيئا، ثم يجد أن الفرصة تتاح له إذا التحق بهؤلاء القتلة، الذين يبدون أهدافا مغرية للشباب، ويبطنون أهدافا سياسية خفية، تحقق مصالح استخباراتية خارجية.
إن الهدف القريب الأهم هو: ان يكون الموقف السياسي والشعبي في خندق واحد ضدّ (داعش) وتجريم ممارساتها في الداخل والخارج، وبيان انحرافاتها بطرح شبابي مقنع، من خلال جملة من المناشط الموجهة للمجتمع عموما، والموجهة للشباب خاصة، منذ المرحلة المتوسطة إلى الجامعة.
وأذكر هنا عددا من أبرز أسباب جنوح الشباب والتحاقهم بالمنظمات الضالة:
أولا: تسلل الأفكار المتطرفة إلى عقل شاب لديه غيرة على الأمة، دون علم أهله؛ حتى تتحول إلى معتقد يمكن ان يضحي من أجله.
ثانيا: قد يلحظ أهله بوادر للأفكار المنحرفة، ولكنهم يخشون من بحثها معه حتى لا تنمو، والحقيقة العلمية أن الفكرة تنمو إذا لم تناقش وتهز جذورها؛ تماما كالفسيلة.
ثالثا: عدم إشغال الشباب المتحمس بمشروع يشعر من خلاله أنه يخدم دينه؛ فيتوجه لمن يتيح له الفرصة ولو كانت منحرفة، بعد أن تغسل اقتناعاته السابقة.
رابعا: العنف في التربية في الطفولة من الوالدين أو غيرهم، والتعامل السلبي في مرحلة المراهقة.
خامسا: المراهق من طبيعته أن يبحث عن مجموعة ينتمي إليها خارج دوائر الأسرة، تلبي استقلاليته، وتعطيه ما فقده من التقدير الذاتي، حتى تمتلك عليه نفسه، ثم تسخره لخدمة أهدافها، بعد أن يصبح جزءا منها، يتعصب لها، وقد تكون هذه المجموعة مجرد مجموعة صداقة، حسنة أو سيئة، وقد تكون انتماء غير حسن، ومنه الانتماء الرياضي المتطرف الذي يؤدي للعنف والتعصب الرياضي، والانتماء للعصابات الإجرامية؛ كعصابات المخدرات، والانتماء للجماعات الدينية المتطرفة، ونحوها، ولذلك فإن من العلاجات الاهتمام بأن يكون الشاب منتميا لنادٍ متميز، يبني روحه وعقله وجسده، ويجد فيه ما يحقق ـ من خلاله ـ أحلامه.
سادسا: ضعف البرامج التثقيفية في المدارس والجامعات وقلتها، وعدم التواصل الكافي مع الشباب خارج الدوام اليومي بالمناشط مثلا، وعدم الإجابة عن أسئلتهم الشائكة،؛ مما يدفعهم إلى أخذ الإجابات من مواقع مشبوهة، تنحرف بهم، وتستغلهم.
سابعا: عدم وجود نظام للفرق التطوعية، وقلة المحاضن التربوية الذكية، التي يقبل عليها الشباب، وهما مجالان خصبان لاحتواء الشباب، واستثمار طاقاتهم فيما ينفع الدين والوطن والمجتمع.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.