مكة _ لايف mecca live

مكة _ لايف

د. خالد الحليبي

(أحمد الجبرين) مهندس الاتصالات السعودي الذي لا يعرفه كثير منا، وأنا منهم، هل كان يتوقع أن يحقق طفرة في حياته بفكرة، بلمسة، بمقترح، بل لعلها النية الصادقة..

لقد أراد أن يخدم دينه، ويرد عنه ظلم الأعداء، وجهل الأصدقاء، وأن يكشف للعالم كله حقيقة (السماحة) التي لا يعرف مثلها منهج آخر على وجه البسيطة، فلم يلتحق بمجموعات مجرمة قاتلة باسم الإسلام، ولم يقبل أن يكفر أهله وقومه، ولم يتهم أحدا بأنه مقصر أو متخاذل؛ ليبرر أفعاله، ولم ينزع يدا من طاعة ولي أمره، بل وظف إمكاناته الخاصة، وتخصصه في الشبكات الاجتماعية والتسويق واستثماراتها، وسخر خبرته في الشركة التي يديرها؛ المتخصصة في (سناب شات) من أجل فكرته الرائعة.

لم تكن الفكرة جديدة، بل سبقها مثيلات لها في دول أخرى، ولم تكن صعبة، فهي لم تأخذ من جهده سوى أن أطلقها في ثوانٍ في باحة الحرم المكي الشريف، ولم تحتج إلى دعم؛ فهي مجانية، ولا إلى فريق عمل، فقد تحول كل الغيورين إلى فريق عمل، ولا إلى مؤسسات تقوم عليها، ولكنها ـ بالفعل ـ حرَّكت مؤسسات دعويةً كبرى لتستثمر نتائجها، وربما تكون سببا في إنتاج مئات الأفكار والأعمال والمشروعات الأخرى.

(أحمد) لم يُلقِ فكرتَه في بحر (تويتر) وينصرف، بل أمسك بزمام سنارته؛ حتى اصطادت، وبقي يتابعها على حسابه الذي شهد إقبالا متزايدا بعد أن وافقت شركة سناب شات على اعتماد الفكرة، وإذا بالبحر يموج بالصور الأخاذة، والمقاطع المبهرة، والكلمات الجميلة، والمواقف التاريخية المؤثرة؛ حتى أبكت الرجال والنساء من آفاق الأرض، وهم من غير المسلمين، كما كانوا ينصون على ذلك في تغريداتهم، بل دخل بعضهم في الإسلام في تلك الليلة العظيمة التي احتشد فيها أكثر من مليوني إنسان في أكثر الأماكن قداسة على وجه الأرض، ليلة السابع والعشرين، من أعظم ليالي الشهر الكريم، وقد تم اختيارها بحب وبراعة وجمال.

عدد من الجهات الدعوية ترتب الآن لتكريمه، ومنحه العضوية الشرفية فيها، ويستحق ذلك بجدارة، في حين لم يملك المتقاعسون الذين يعيشون على أنفاس البحث عن أخطاء الناس، ويرصدون تقصيرهم، ممن يعانون من عقدة الأقزام التي لا تبرح تلحُّ عليهم، لم يجدوا ـ أمام هذا النجاح ـ إلا أن يقللوا من هذا الجهد، ويصنفوه في دائرة الشيء العادي، وهم يرون بأم أعينهم أفواجا من غير المسلمين يبكون مما رأوا من جمالات الإسلام وروعته وقصص السيرة التي تضمنتها مشاركات الشباب والفتيات الذين أحيوا الوسم بمئات الآلاف من المشاركات الفاعلة، وقد فتحت أمام أعين العالم ملفات كانت موصدة من قبل المتربصين بهذا الدين، الذين اتخذوا من جرائم داعش صورة للإسلام، وراحت تكرر مقاطعها الوحشية على أعين شعوبها وأسماعهم في ساعات الذروة كل يوم، في دول كبرى، كثيرا ما تتحدث عن العدالة، والمصداقية، لكنها لا تتعامل بها مع الإسلام وأهله.

دعوني من هؤلاء وأولئك، الأهم الآن هو: كيف ستستثمر هذه الانطلاقة؟ وكيف ستتابع؟ ومن سيجيب أسئلة الناس عن الإسلام؟ وهل يمكن أن تنقل التجربة إلى آفاق أخرى؟

أترك الإجابات للوزارات المعنية، والجهات الأهلية التي تقوم بواجب الدعوة إلى الله، والجهات المانحة، فلم نعد في حاجة إلى أن ندرس الجدوى، فالناس منكبون ليلهم ونهارهم على شاشاتهم الصغيرة، وعن طريقها اقتطفت ثلة من خيرة زهرات شباب الأمة؛ وجندوا ضد دينهم وأمتهم وأوطانهم، فأصبحوا أكبر مصدر لتشويه الإسلام.

شبابنا يحبون دينهم، ويفتدون أوطانهم، وكل ما علينا ـ آباء ومربين وجهات مسؤولة ـ أن نحتفي بأفكارهم، ونتبنى مشروعاتهم، ونقود ـ نحن ـ خطاهم إلى تحقيق ذلك الحب وتلك الوطنية في الاتجاه الذي يشعرون معه أنهم ـ بالفعل ـ يقدمون الخدمات التي تسهم في انتشال الأمة من مصائبها، وتنمية الوطن الذي يستظلون بوارف أمنه.

·         المشرف العام على مركز خبرة



اترك تعليقاً