خارطة الإبداع في صناعة الأعلام (2)

خارطة الإبداع في صناعة الأعلام (2)

د. خالد الحليبي

ثلاث عشرة علامة فارقة على خارطة الإبداع في صناعة الأعلام، وضعتها أمامك في المقالة السابقة، أيتها الأم الكريمة، يا أم الأمهات والرجال، وصانعة الأجيال. وفي هذه المقالة الشقيقة أكملها بمثلها:

شجعيه على طرح الأسئلة، وأجيبيها بكل أريحية، فهي تكشف تطلعاته، وتنمي تفكيره، وتفتح له أبواب المعرفة والاكتشافات.

ربيه على متانة الرقابة الذاتية لله تعالى في سره وجهره؛ حتى يكون ربانيا.

قصي عليه قصص العظماء والعلماء والقادة والمخترعين؛ حتى توقدي في نفسه جذوة المنافسة مع من هم مشاعل الأرض وقممها؛ لتعف نفسه عن ملاحقة أخبار الساقطين والساقطات.

كوني أنموذجا له في الهدوء والاستقرار النفسي؛ فإن خمسة وثمانين في المائة من تصرفاتك تنتقل إليه، ومن ذلك الصراخ والحركة المفرطة والألفاظ.

كوني وسطا بين التدليل والقسوة، واحذري الإهمال. وخير الأمهات المحُبة الحازمة.

أشركيه في أعمال الخير العامة، وشجعي هواياته ماديا ومعنويا؛ على قدر طاقته لرفع الروح المعنوية.

امنحيه فرصا كبيرة، كالحديث بعد الصلاة في المسجد، أو ضيافة ضيوف كبار، أو التخطيط لرحلة عائلية، أو إدارة جلسة حوارية.

اربطيه بالقراءة فإنها مفتاح العلوم والفنون والإبداع، واجعليها وجبته اليومية المميزة، ودربيه على الكتابة الإبداعية منذ الصغر شعرا أو قصة أو مقالة أو خطبة. يقول (آلدوس هكسلي): “إن من يعرف كيف يقرأ تصبح لديه القدرة على تحقيق ذاته، والرُّقي بنفسه ومضاعفة أساليب حياته، وإدراك أسباب وجوده، بجانب أن ذلك يجعل أيامه مليئة وثرّية وشائقة، وجديرة بأن تُعاش“.

احميه من أفلام الرعب والجنس، ومسلسلات السوء، وأغاني العهر والفجور، ونقي أجواء البيت من المعاصي والمنكرات، وربيه على بغضها.

راعي نفسيته الخاصة، ولا تظني أن أولادك سواء، يقول الإمام ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله: “تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته كما تتجلى حال المريض أمام الطبيب حين معالجته، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة“.

إذا كنت تشعرين بالخجل والارتباك الشديد عندما يخطئ طفلك أمام الآخرين أثناء تعلمه مهارة ما وتزجرينه أمامهم، فاعلمي أن ذلك بداية النهاية لقدرات طفلك ومواهبه؛ لأن الطفل غالبًا يتعلم عن طريق المحاولة والخطأ، والتوجيهات المستمرة الهادئة من والديه تنفعه كثيرًا في التقدم.

إن أهم وأكثر الهدايا قيمة تقدمينها لأولادك هي ما يمكن تسميته (بوصلة العمل) -أي المهارات والحقائق- التي تساعدهم في النجاح في المدرسة والعمل، وفي اللعب واللهو، وفي الحب والرفقة والألفة الاجتماعية.

يمكنك الاستفادة من مراكز التدريب، أو من المربي الخاص؛ ليعلو كعب ابنك في المهارات واللغات التي لا تجيدينها، ولا تبخلي عليه في هذه، فهي أولى من أكله وشربه ولبسه.. ألست تريدين أن يكون إنسانا عظيما؟ بل ألست تريدين أن يتذكرك بعد أن ترحلي عن هذه الحياة كما تذكر الكاتب الدكتور أحمد الطويل أمه حين قال: ” كنتِ لي ولأخوتي شعاع النهار الباسم.. ودفء الليل الحاني.. منك نستمد التوفيق بصادق دعائك.. ونصبر على مصائب الدنيا بصادق نصحك وحبك.. ونهرك الجاري الذي يتدفق عطاءً صادقًا لا يشبهه عطاء.. قصتي معك يا حبيبتي قصة حياة.. وفقدي لك فقد حياة..!!

بارك الله في عمرك، وأحيا بولدك ذكرك، كما بقي ذكر أمهات هؤلاء الأعلام حية نابضة حين أحسن التربية، وأحسن الله لهن النتيجة.

 

 



اترك تعليقاً