تكفى يا سعد

تكفى يا سعد

 

ترتطم جنبات القلب بعضها ببعض، تتحول الدنيا إلى غابة موحشة، تضمحل الحياة قبل أن تتبخر بطلقة مقصودة، لو كانت موجهة لطير مربوط؛ ليكون غرضا يرمى؛ لكانت حراما، في لحظة غياب كامل للبصيرة، والإنسانية، وحضور كامل للجهل والقبح والإجرام، تموت النخوة فلم تعد (تكفى يا سعد) تكفي لاستنهاض عشرين سنة من الرحم والرفقة والأخوة والعيش والملح، تموت المشاعر؛ فلا تسمع الأذن ولا يعي القلب ولا يتحرك الضمير، تذوب الجمل فلم تعد قادرة على حمل بقية مشاعري وأنا أتصور ذلك الشاب الذي عاش يتيما، وظل يبحث عن الأمل والعمل حتى وجده في الصف الأول من خدمة هذه البلاد المقدسة، ثم يكون ذلك سببا كافيا لنزع روحه من جسده على يد أقرب الناس إليه، غيلة وغدرا.

هناك في قرية بعيدة عن التأثير الحضري، وعن كل ما يسوقه المضللون من أسباب لتقبل الشباب للفكر التكفيري، يتم التواصل عبر الشبكة العالمية مع شاب رفض العمل ورفض المال ورفض الزواج، وفرط حتى في صَلاته مع المسلمين، وانزوى مع شاشته عاكفا عليها، وكأنه يبحث عن ذاته التائهة الفاشلة بين الأدغال والأحراش، وليس بين بني البشر، الذين يختلفون، ولكن يعرفون كيف يتفقون.

العمر: 21، هو العمر ذاته الذي يمثل الخط النهائي لمرحلة المراهقة؛ حيث تكون الرغبة جامحة في الاستقلال، والانضواء تحت مظلة غير عادية، تميزه عن غيره.

التفرد: حيث لا توجد أية علاقات واقية، لا مع الأسرة حيث أفاد الأب بأنه كان يشكو من انعزال ولده، وهنا تتضاءل الأسرة في نظر الشاب، وبالتالي يتضاءل الانتماء الأسري الذي يمثل قيمة بل حاجة بشرية، تتحول إلى كيان يُفدّى، وعليه يصادِق المرء ويعادي. ولا علاقة كافية مع صحبة مستقيمة واعية طامحة، تجعل للحياة معنى يستحق أن يعيش من أجله الشاب. وبفقد هاتين المظلتين الطبيعيتين، يصبح لدى الشاب فراغ شرس لا يرحمه، حتى يبدأ يبحث عن غيرهما، فيجدهما في مجموعة ملحدة، أو عصابة سرقة، أو خفافيش مروجي المخدرات، أو في شقة عهر، أو بين يدي النت يراسل غربان التكفير، حيث يدخلون عليه من الأبواب الخفية في النفس؛ بعد أن يُبغِّضوه في وطنه، وولاة أمره، وعلماء الشريعة، ويُفرغِّونه تماما من كل الاقتناعات السابقة، عندها يشكلون وعيه الديني من جديد، متكئين على جهله بشريعته، ولأنه متحفز للهروب من هذا العالم لأي ثقب أسود يحتويه، فلا عجب أن ينحني لمطالب أولئك المجرمين، ويقدم قربانا للحاق بهم، فيقتل أقرب الناس إليه، وقد يختصرون له الطريق بأن يصوروا له أن الطريق إلى الجنة واللحاق بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو قتل الآخرين بعبوة بشرية هي نفسه الجهول.

إن تشتيت الرؤية من بعض المحللين بإلقاء اللائمة على مؤسسات رسمية تعمل تحت الشمس، في عقود متتابعة وضيئة، لم تشهد مثل هذه التشوهات الرديئة، أو على أشخاص تربوا وترعرعوا في ظلال الحرمين، وبمعية العلماء الربانيين، هذا التلاوم الكئيب يجري في النسق الذي يتمناه التكفيريون؛ لأنهم بهذا يضربون قلوب بعضنا ببعض، ويستمرون هم في تحقيق أهدافهم الخطيرة.

حين يُمس الدين والوطن، فيجب أن نتسامى على خلافاتنا، وحتى أبجدياتنا، وأولياتنا الشخصية، ونضعهما في المقدمة، ورأي بعضنا في أي نشاط لا يتفق مع رؤيته يظل رأيا، وليس مجالا للاتهام، ولا لتحقيق الانتصار للنفس.

دولتنا قوية بفضل تمسكها بشريعة الله، وبلادنا محفوظة بأمر الله، وستندحر كل جيوش الظلام، وتستمر مسيرة النور.. بعون الله تعالى.



اترك تعليقاً