جريدة الرياض | ظهر العنوسة

بسم الله الرحمن الرحيم
منصور الجفن – جريدة الرياض
السؤال: في رأيكم هل وصلت ظاهرة العنوسة وتأخر زواج الفتيات إلى مستوى القلق لدى المختصين ؟
 
الإجابة: ظاهرة العنوسة حقيقة بارزة، ولها أرقامها الرسمية التي تدل على وجود بضع مئات من الألوف من بنات المملكة العربية السعودية لم يتزوجن بعد السادسة والعشرين، وهو رقم كبير وإن كان يكذب الرقم الوهمي الذي أعلنته بعض الصحف الذي تجاوز المليون ونصف.
إذن هي ظاهرة يمكن أن يلمسها حتى عامة الناس من خلال استعراض من حولهم من الأسر، ولذلك فهي تدعو للقلق، وللدراسة، وللعمل على فحص مكامنها، وأسبابها، ومصادر استمرارها، ووضع الحلول التي تخفف منها؛ لتصبح طبيعية، كما في كل مجتمع بشري.
هناك تقارب كبير يكاد يكون متطابقا بين الذكور والإناث في المملكة العربية السعودية، أكثر من عشرة ملايين نسمة لكل جنس، بل إن التعداد الأولي الأخير يشير إلى أن الذكور يزيدون على الإناث بـ 90000 نسمة؛ فلا مبرر عدديا لظاهرة العنوسة لدى الفتيات، مما يدعو بالفعل إلى القلق.
 
 
السؤال:  في نظركم ما هي أبرز مسببات هذه الظاهرة ؟ وما هو تأثير العادات والتقاليد , والبذخ الاجتماعي في هذه المناسبات , وارتفاع المهور.
الإجابة: أبرز المسببات: تأخر الشباب الذكور عن الزواج؛ مما تسبب في زيادة المتأخرات عن الزواج بطبيعة الحال، ولذلك يحسن أن نتساءل: ما الذي أخر الشباب عن الزواج؟
أجد من الأسباب: زيادة تكاليف الزواج من: مهر وتوابع أصبحت أكثر منه، وليلة الزفاف التي باتت للمباهاة والمفاخرة بالفندق أو القاعة وما يقدم للضيفات والضيوف من موائد فوق الوصف، والحفلات التي أصبحت عبئا إضافيا على كاهل العروسين، والسفر الذي أصبح جزءا من طقوس الزواج، يستدين له العريس!!! أضف إلى ذلك تأخر الوظائف، وغلاء السكن، وضعف القدرة على إدارة المال…
ومن الأسباب: عضل البنات عن الزواج من بعض أوليائهن، إما طمعا في توظيفهن واستغلالهن ماليا، أو لأعراف ما أنزل الله بها من سلطان، والإيغال في الطبقية القبلية، التي جعلت الطبقة الواحدة عدة طبقات، مما حرم فتيات تلك القبائل من الزواج لأن الأوياء لا يقبلون تزويجهن إلا من القبيلة نفسها، وكأنها خلقت وحدها!!
ومن الأسباب: الزواج من خارج الوطن؛ فكل من يتزوج من الخارج، فإنه يلغي فرصة للزواج لفتاة من الداخل.
ومن الأسباب: العنوسة الاختيارية، حيث تعزف بعض الفتيات عن الزواج بسبب تكون صورة بائسة عن الزواج لما ترى من تعامل زواجي سيء ممن حولها، فتخشى أن تفشل، فترفض الزواج، أو لحدث ما في طفولتها جعلها تتخذ قرارا بعدم الزواج، أو لوهم السعادة في الحرية.
ومن الأسباب: تأجيل الزواج لاختيار رجل أفضل، أو للدراسة، أو لعمر معين، وكل ذلك يفقدها فرصة الزواج ممن هو في عمرها أو قريب منه، وقد يفوتها قطار الزواج كما يقال.
وبعض هذه الأسباب تنطبق على الشباب أيضا.
 
السؤال: محاذير قد تنجم عن تأخير الزواج:
الإجابة: هو ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) وحسنه الألباني في “صحيح الترمذي” .
الزواج استجابة للفطرة، وحين لا تلبى هذه الحاجة فإن لها تداعيات نفسية تختلف باختلاف قوة النفس، فهناك من تشغل نفسها بمشروع ما، تجد فيه نفسها، وتنفس فيه عن توتراتها، وتستثمر فيها كافة طاقاتها، وتستعيض عن بعض الحاجات الطبيعية كالأمومة مثلا، بتعزيز علاقتها بالأطفال الذين من حولها، أو بتعليمهم. وهو تصرف رائع، وتسامٍ محمود، تنصح به كل فتاة تأخرت عن الزواج، فإن الزواج نعمة، واستثمار الحياة بمشروع خيري أو علمي أو ثقافي أو تجاري نعمة أيضا، وشيء يمنح الحياة قيمة وسعادة.
على أن تعزيز علاقة الفتاة بربها سلوك لطريق الطمأنينة والهدأة النفسية والسكينة.
 
ما الحل؟
لابد من إشاعة فكرة الاتفاق على تخفيف الأجور، وتوفير المساكن، والفرص الوظيفية، وعدم تشجيع الزواج من الخارج، ونشر الثقافة الأسرية في المجتمع، ونمذجة الأسر المتميزة، والحرص على تثبيت دعائم البيوت القائمة، حتى تكون قدوة للجيل الجديد.
ومن ذلك إقامة مراكز للتوفيق بين الراغبين في الزواج، وتشجيع الشباب والفتيات على التبكير في الزواج، ومحاربة الفكر الذي ينفر من ذلك.
 
السؤال: ما دور وزارة الشؤون الاجتماعية وجمعيات الأسرة في هذا الشأن؟
الإجابة: أطلقت وكالة الوزارة للتنمية الاجتماعية مبادرة (توفيق)، للتوفيق بين الراغبين في الزواج، وشجعت الجهات الأسرية للمبادرة بتبني هذا المشروع، كما توجد جهود عملية لدى عدد من الجمعيات الأسرية والزواجية، تتمثل في قسم خاص يقرب بين الرغبات، عن طريق برامج حاسوبية متقدمة، كما نشأت بعض المواقع التي يديرها موثوقون، واطلعت على نتائج مرضية لها، رغم صعوبة عملها.
 
السؤال:هل دور ما يسمى بالخطابات نافع في الحد من هذه الظاهرة وتسريع زواج الفتيات خاصة المتأخرات بالزواج ، أم هناك سلبيات في هذا المجال؟
الجواب: أنا لا أشجع أبدا أي دور فردي يتقاضى مالا في هذا المجال، فالخطابات أثبتن فشلهن في التوفيق بين المتوافقين بالفعل، فكل جهدها أن تحصل على المبلغ المقابل، وليس أن تنصح للطرفين، ولذلك كثرت حالات الطلاق في الحالات التي كن سببا في زواجهم.
بل إني أحذر أكثر من دخول بعض الرجال الذين أصبحوا سماسرة أراضٍ وسماسرة بشر في وقت واحد، وهو عمل يقوم على دراسة أنماط الشخصية وفحص الخصائص الاجتماعية والأسرية والثقافية لكل طرف، وهو ما لا يناسب أن يقوم به إلا مختصون من خلال مراكز مختصة.
وفقنا الله جميعا لخدمة مجتمعنا الكريم، وشكرا لإتاحة الفرصة للمشاركة.
 
د.خالد بن سعود الحليبي ، المشرف العام على مركز بيت الخبرة للبحوث والدراسات الاجتماعية الأهلي.


اترك تعليقاً