الإعلام الأسري.. وضرورة التغيير

 

الإعلام الأسري.. وضرورة التغيير

 

د. خالد الحليبي

 

مما امتلأت به حتى فاض على جوانب حياتي تصورا واقتناعا وتتبعا واهتماما أن الأمن مسؤولية فردية، ومسؤولية أسرية، ومسؤولية مجتمعية، ومسؤولية مؤسسية؛ يقع العبء المركز فيها على مؤسسات الدولة الأمنية بكل أصنافها، ولكن خصوصية مسؤولية الجهات الأمنية الرسمية، لا تلغي المسؤوليات الأخرى، بل تتطلبها، وتتكامل معها.

 

ومما يثلج الصدر تتابع واستمرار ردود الفعل الغاضبة تجاه أي حدث أمني يمس أمننا المحلي على حدودنا أو في مساجدنا وداخل أحيائنا، فلذلك قيمة كبرى في تحقيق استدامة الأمن الوارف الذي ننعم به في بلاد الحرمين الشريفين؛ حتى لا نفقد مع الزمن وتكرار المحاولات الجبانة التي يمارسها أعداء الأمن والسلام والاعتدال (الحسَّ الأمني) الذي يخلق في الأجيال رفضا تاما وقاطعا لكل محاولات المساس بأمننا الوطني، بأي شكل من الأشكال.

 

(الأسرة) هي منبت الفرد وبيئته التي يتشكل فيها ويتأثر، والواقع والإحصاءات تدل على أن هناك طوفانا من المواد الإعلامية المتدفقة بكل احترافية وإغراء؛ لتحويل معتقد الفرد وفكره، وما يتأثر به من جراء ذلك من سلوك، بل إن بلادنا لكونها مرتفعة الدخل الفردي عن كثير من البلاد الأخرى، ولغلبة المظهرية والعدوى الاجتماعية، تعد من أكثر بلاد العالم دخولا في عالم الشبكة الاجتماعية ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنوعت وتتابعت، وعشقها الشباب والفتيات حتى الإدمان، وظهر عليهم التأثر البالغ بها، والدراسات والرصد الإحصائي يؤكد انبثاق حالات سلبية، أصبحت في وقت قصير ظواهر تستدعي الوقوف أمامها بكل صراحة، ومواجهتها قبل أن يتم تطبيعها بحكم الاستئناس البشري بما يستمر عادة، وإن كان مخالفا حتى لدين الإنسان، فضلا عن عاداته وتقاليده.

 

وكل الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق والأوقات التي تستهلك في حملات ومشروعات وإعلاميات تحاول إيقاف مدّ الظاهرة السلبية، لن يكون له جدوى فاعلة ومستدامة، دون أن تتبناها مؤسسات، وتعتمد على دراسات، ومن أجل ذلك ينعقد في هذا اليوم في رحاب جامعة الملك فيصل ملتقى الإعلام الأسري وضرورة التغيير، برعاية كريمة من سمو محافظ الأحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود، وبحضور سعادة وكيل المحافظة، وعدد من أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى، ونخبة من العلماء، والأكاديميين، والإعلاميين، والمثقفين، وممثلين من عدد من الجهات الأسرية في المملكة العربية السعودية؛ ليتحدثوا عن ركنين، الأول: كيف يمكن أن نبني مركزا إعلاميا (حاضنة إعلامية) في المؤسسة الأسرية؛ لتؤدي عملها بتميز واقتدار واحترافية؟ والثاني: ماذا تصنع المؤسسات والأسر إزاء هذا التدفق الإعلامي الرهيب على أفراد الأسرة من أطفال وشباب؟

 

البحوث الثلاثون المحكمة تتناول الأطفال والشاشات، والتربية الإعلامية في نطاق الأسرة، والإعلام الجديد والتطرف الديني، وتتناول مؤشرات تخطيطية لتطوير واقع مؤسسات الإعلام الأسري، ودور الإعلام والتسويق الإلكتروني على السلوك الاستهلاكي في الأسرة، كما يتناول أحد الباحثين الخبراء استثمار الدراما في التثقيف الأسري، بل يقف أحد البحوث عند عادات الأمهات في مشاهدة التلفاز وأثرها في السلوك الذي يمارسه أفراد الأسرة، ولوسائل التواصل الاجتماعي حضور كبير في عدد من الأبحاث، كما ستحضر قناتنا الثقافية، وعدد من المجلات التي تصدر محليا؛ لتسهم في الطرح والتحليل والتقويم.

 

والمأمول أن يقوم مركز بيت الخبرة للبحوث والدراسات الاجتماعية الأهلي الذي نظم اللقاء بشراكة متكاملة مع جامعة الملك فيصل ممثلة في قسم الاتصال والإعلام بكلية الآداب، – يقوم بدوره في تحويل هذه الأبحاث وأوراق العمل إلى (دليل المركز الإعلامي في المؤسسة الأسرية)، وإلى جملة مشروعات ممكنة التنفيذ في الواقع المحلي، ليكون منطلقا لعمل وطني مهني، تتعاون الجهات وتتكامل في تطبيقاتها له، لتتحقق الأهداف السامية المرجوة، من أجل أسرة آمنة، ووطن آمن بإذن الله تعالى.



اترك تعليقاً