جامعة الملك فيصل .. والمسؤولية المجتمعية

جامعة الملك فيصل .. والمسؤولية المجتمعية

د. خالد الحليبي

أصبحت (المسؤولية المجتمعية) قاعدة أساسا في القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الخيري، بعد أن كانت مجرد مبادرات فردية تنطلق منها، ونمو هذه الشراكات في مرحلة (التحول الوطني) أصبح واجبا وطنيا، ومحورا من محاور الإستراتيجيات الطويلة الأمد لأية منظمة كبرى لها قدرها وحجمها في القطاع الذي تعمل فيه، والوطن الذي تسهم في بنائه، وكلما اتسعت دوائرها ضمن منهجية علمية، واحترافية في التنفيذ، واختيار دقيق للشركاء الأكثر فعالية، تحققت أهداف مناشطها، وبلغت غاياتها السامية الكريمة.

لقد شهدتُ تجارب عديدة من الشراكات الكبرى عبر المؤسسات غير الربحية التي أتشرف بخدمتها، وكل تجربة منها تستحق البسط والإشادة، والكشف عن جوانبها الشرعية والإنسانية والاجتماعية والأسرية، بل والتنمية الاقتصادية للفرد والمجتمع، ونتيجة ذلك كله أمن وارف، نسعد بالإسهام في تدعيم قواعده وروافده وأعمدته.

هذه التجارب أكدت لي أن أكثر المشروعات التي تنفذ بالشراكات تتسم بكثير من سمات الجودة، وتتسع آثارها، ويعظم نفعها، وتعود على المجتمع بعوائد تتصف بالعمق والاستدامة. والسبب في ذلك يعود إلى اقتسام المهام بمهنية وتقدير كبير للتخصصات، والخبرات.

وفي الجامعة تكتظ الأروقة العلمية بقامات مختلفة المشارب والعطاءات، حيث لا تكاد تسأل عن تخصص إلا تجد من هو أستاذ فيه، وكل الأعمال ذات الصبغة التنموية تحتاج إلى من يبنيها، أو يقومها، ويحكمها، وهو ما تمتاز به الجامعات، إلى جانب كونها تحتضن عشرات الألوف من الشباب والفتيات، الذين هم في سن التكيف والنمو المعرفي والفكري والسلوكي، وهو ما يؤهلها ـ كذلك ـ لتكون البيئة الأفضل التي تقام فيها المؤتمرات والملتقيات والبرامج التأهيلية؛ لتتكامل العملية التعليمة مع العملية التربوية والاجتماعية لدى الطالب والطالبة، خاصة أنها تمتلك رحابة المكان، والإمكانات العالية.

بينما الجهات التي تمارس أدوارها الاجتماعية، تمتاز بانها تختلط بفئات الناس بكل أنماطهم وأعمارهم وأجناسهم، فهي تبدع في قدح فكرة البرنامج الذي يبنى على رصد الاحتياجات المجتمعية المتجددة، والمتأثرة بالمتغيرات العالمية والمحلية، والاستعداد لها بالوقاية، أو بالتثقيف، أو بالمعالجة، كما تمتلك الجهات الاجتماعية فرق عمل ذات مرونة في التداخل بين تلك الفئات؛ أطفال، كبار في السن، مرضى، شباب، فتيات، مدمنين، معاقين، مرهقين بالمشكلات، ولها شراكاتها مع جميع الجهات المسؤولة في الدولة؛ لتخدمها فيما يخص عملها.

ومع جامعة الملك فيصل كانت التجربة أكثر سخاء، وأمدَّ عمرا، فقد بدأت باستثمار الجانب الأكاديمي في تأهيل من يعملون في الإرشاد الأسري من خلال دبلوم الإرشاد الأسري، الذي تخرج فيه مئات المرشدين في أنحاء المملكة العربية السعودية، ثم خطت خطوات واثقة من خلال إقامة البرامج البناتية؛ برنامج (ملتقى بوح البنات) السنوي، الذي حضره خلال ثلاث سنوات حوالي: 35000 فتاة، والبرامج الشبابية المعتمدة لدى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؛ التي استفاد منها مئات الطلاب والطالبات، ثم تطورت إلى الشراكة في البحث العلمي الذي يحاول استكشاف الظواهر المجتمعية من خلال شرائح معينة، والاستفادة من خبرات الأقسام العلمية في تحقيق البناء المهني لعدد من الأقسام المختصة في المؤسسة الاجتماعية، ثم خطت خطوة كان لها أثر كبير في استثمار البحث العلمي، من خلال إقامة ملتقى الإعلام الأسري الأول، الذي كان لقسم الاتصال والإعلام في كلية الآداب الدور الكبير في أبحاثه وتوصياته، نتج عنها عدد من البرامج الإذاعية، والتأهيلية، والتحقيقات الصحفية؛ لتصل رسائله المهمة لمن يعنيه الأمر في المجتمع.

وفي الفترة الأخيرة وبتأييد من ولاة الأمور رعاهم الله، وبموافقة من وزارة الشؤون الاجتماعية، تم الاتفاق على إنشاء (مركز التثقيف الأسري) الذي يسهم في تكوين البنت الفاعلة في أسرتها، والزوجة الناجحة في علاقتها بزوجها، والأم المربية القادرة على صناعة الجيل المتوازن، كما يسهم في حل المشكلات والحد من الظواهر الواردة على بيئتنا من الخارج، وتأثر بها بعض الفتيات، بأساليب علمية، مقبولة لديهن، مستفيدا من الطاقات العلمية التي تزخر بها جنبات الجامعة.

هي تجربة ناجحة ظلمتُها حين حجمتُها في مقالة، مشيدا بأسماء تستحق الشكر والثناء بحجم هذه الأعمال النبيلة، وعلى رأسهم معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن جمال الدين بن جنيد الساعاتي، ووكيلها للدراسات والتطوير وخدمة المجتمع الدكتور عبدالرحمن بن سلطان العنقري، وسعادة الدكتور مهنا بن عبدالله الدلامي المشرف على إدارة تطوير الشراكة المجتمعية؛ لأنهم فتحوا أمام سبع عشرة جهة حكومية واجتماعية وخيرية ومصرفية أبواب جامعة عززت شراكتها المجتمعية برغبة وحرص وتشجيع مستمر للشركاء.



اترك تعليقاً