# سناب_شات

 

# سناب_شات

 

د. خالد الحليبي

 

لو أن سلطة ما فرضت على الناس أن يعلقوا كاميرات مراقبة في بيوتهم، لكان ذلك مثار رفض وتبرم واستياء كبير، كيف تنتهك الخصوصيات؟ وكيف نسجل لحظات الحياة بكل تفاصيلها الدقيقة ليطلع عليها الآخرون؟ وكيف نسمح لمن نعرف ومن لا نعرف أن يشهدوا ما ننعم به من خيرات، أو ما ينقصنا من مستلزمات؟! أو ما يحدث بيننا من خلافات كيف؟! وكيف؟!

 

لكن الأمر حدث في عدد كبير من البيوتات، ليست عدسات معلقة ومثبتة في جدران المنزل فحسب، بل هي متنقلة حيث تتنقل العائلة الكريمة، أو أحد أفرادها، تنقل ما لا يحسن أن ينقل، أكثر مما يحسن، بل وصل الأمر إلى الغباء في الاستخدام، حيث يمكن للصوص الأموال ولصوص الأعراض أن يتلقوا معلومات موثقة من خلالها، ليقوموا بسرقاتهم وجرائمهم وفق تلك المعلومات.

 

(سناب شات) واحدة من الوسائل التي يمكن أن تستثمر استثمارا عاليا في تطوير الفئة الأكثر عددا وتأثرا وتأثيرا في المستقبل وتنويرها ووقايتها من الأفكار الهدامة، والسلوكات المنحرفة، وهم الشباب والفتيات، ويمكن أن يكون قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة، فتبعثر معها عرضا مصانا، وأمنا مُقاما.

 

لن أتحدث عن الوقت المهدور، وفوضى الأدوار، والآثار الصحية السلبية التي أكد المختصون حدوثها للمدمنين على كل وسائل التواصل الاجتماعية بلا تفريق، لكن أركز الآن على العدسة الرهيبة التي أصبحت تنقل أخص خصوصيات المرأة قبل الرجل، حيث تنزلق في وحله أقدام السيدات قبل بناتهن، وأعقاب الرجال قبل أبنائهم.

 

التعامل مع الصورة يعني التعامل مع أخطر وسيلة بلا منازع، ولعل الذين يثقون في الأقوال الغربية ينصتون بحذر لهذا الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في أمريكا منذ عام 1915م، حيث ينص على رفض منح السينما والصور المتحركة الحريات الدستورية نفسها التي منحت فعلا للصحافة، وقالت: “لكنها أيضا قادرة على الشر، ولديها القوة على ارتكابه، وربما قوتها الأعظم بسبب جاذبيتها وطريقتها في العرض”.

 

كثيرا ما نسمع مقولة: “سلاح ذو حدين” حتى مللناها؛ لأنها لم تعد حقيقة مطروحة للأخذ بها، وإنما لتكون شماعة يعلق عليها المنهزمون أمام غارات الإغراء الأهوج، المنحدرة من أصلاب العبث البشري، المتاجرة بالإنسان على أقل الظنون سوءا، التي تُشيع ثقافة العُري في العالم على أنه جزء من الحرية التي سلبتها الأديان والأعراف والأخلاق، يريدون أن يعود الإنسان إلى خطيئته من جديد، فيتعرى؛ ليطفق يخصف على سوءته من ورق الخريف الذي خلفته المدنية التائهة بين جدران زنزانة رهيبة، لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تصحب كل من ألقى بنفسه في قعرها في كل مكان يكون فيه.

 

نعم، أستخدم (سناب شات) في محاولة – مع عدد ممن سبقوني – أن أضئ شمعة في دهاليز مدلهمة، فوجدت استبشارا غريبا، حيث كان الترحيب حارا، ومتفائلا: هذا ما كنا ننتظره، رائع أن تلامس هذه الموضوعات التربوية، ما رأيك أن تتحدث عن قضية الخيانة الزوجية؟ يا ليتك تتكلم عن استثمار الوقت فيما ينفع للبنات… إلخ هذه المقترحات الدالة.

 

عدتُ إلى عدد من الحسابات، فرأيت بعضها بعيدا عن السفه والطيش والتعري، لكنه – غالبا – لا يعدو: ذهبنا وجئنا وأكلنا وشربنا ولبسنا وسكنا، واستعراضا مخجلا – أحيانا – لما ينبغي ستره من السلوك الخاطئ، أو عرضا لما يفقده الآخرون من نعم الدنيا، الأمن في وقت الخوف، وأطايب المأكولات في زمن الجوع، والتنعم بأفخم الفنادق في عصر تُحاصَر فيه المدن وتمطر بالبراميل المتفجرة، فتحيل المنازل ركاما من البشر والحجر.

 

هل قامت مدارسنا وجامعاتنا وأسرنا بدورها في توجيه الجيل المحاصر بكل هذه التقنيات العاصفة بشخصيته وهويته ومستقبله؟ أشك في ذلك، وسوف تُسأل عن ذلك عاجلا وآجلا، وربما كان أول من يسألها هذا الناشيء وتلك الناشئة في بين جنباتها.

 

(سناب شات) وما جاء قبله وما جاء بعده وسيجيء.. فرصة من فرص بث الوعي، والارتقاء بالإنسان، فإذا حولناه إلى عدسة في خوذة بحار لا تتقن فن الانتقاء، فسوف نكشف كل حياتنا لمن يغبطنا ومن يحسدنا ومن يتربص بنا ومن سيشفق علينا حين يرى تفاهة سلوكنا أحيانا؛ فقط من أجل الاستكثار من متابعينا، أو من أجل التواصل الفارغ.

 

ليس مهما أن أظهر كل يوم على شاشة حسابي، وبأي شكل من الأشكال، ولكن المهم: كيف أظهر؟ ولماذا؟.



اترك تعليقاً