«الرجال ما يعيبه شيء!!»

«الرجال ما يعيبه شيء!!»

 

د. خالد الحليبي

تتوجع الفتاة في مجتمعنا وهي ترى المجتمع مجحفا في حقها، فهو يصم الفتاة بأنها (عنيدة) لأنها لم تقبل كل ما يأمرها به أخوها الذي يصغرها حتى لو أذلها؛ لأنه «ذكرٌ» فقط. وهي (عانس)؛ لأنها بلغت (26) سنة دون أن تتزوج، ومسكينة (مطلقة) أو تستاهل لأنها لم تحافظ على زوجها وتصبر على أذاه وضربه وإهاناته، ولن تجد من يتزوجها في سنها. وهي التي تستحق (…)؛ لأنها أخلت بشرف القبيلة، وسودت وجه أبيها، وأما (الرجال) فهو (ينقل عيبه)، ومهما تأخر في الزواج أكثر من أخته ولو بعد الثلاثين؛ فالمجتمع كله يقدم له الأعذار، حتى ولو لم يجد سيقول: لعل له عذرا وأنت تلومُ، وحين يطلق فسوف يجد ألف بنت تنتظره، وحين يقع في كبائر الذنوب المخلة بشرفه وخلقه وأمانته، ويعتدي على حرمات الناس، فسوف تسمع مجددا: (الرجال ما يعيبه شيء)!! الجريمة واحدة والحكم يختلف، مع أنَّ مَن خلقهما سوى بينهما في المؤاخذة عليها والمسؤولية تجاهها.

إن النظرة العرجاء والكيل بمكيالين في نظرة المجتمع للجنسين تركت آثارا باهظة الثمن، فالتفريق في التعامل في مرحلة التربية الأسرية في الطفولة أو المراهقة هو من أبرز أسباب الاضطرابات التي تصيب الفتاة في طفولتها أو عندما تكبر، مثل ضمور الشخصية، والرهاب الاجتماعي، واحتقار الذات، والانكفاء على النفس، والعزلة، والشعور بالدونية، والبحث عن مخرج آثم أحيانا؛ مثل الالتحاق بالبويات حيث تجد فيهن ما يطفئ شوقها للتذكير، حين وجدت من أهلها تفضيلا كبيرا لإخوتها الذكور عليها، أو محاولات الانتحار؛ للفت النظر إليها، أو إلى حل مشكلاتها المعلقة منذ أمد دون الاهتمام بمشاعرها، أو محاولة الانتقام من الرجل/الأب أو الرجل/الأخ بطريقة متهورة مجنونة مخلة بالمروءة والدين، بدافع نفسي جموح، أو التعلق بأي شخص لا قيمة له خارج المنزل يحسسها بإنسانيتها، ويُسمعها كلمة الحب المزيف، وهي تعرف جيدا أنه يكذب، وتتقبل كذبه على أنه مسرحية ماتعة تتفرج عليها فترة حتى تنتهي العروض، وهي تدري أو لا تدري أن هذه العروض قد تنتهي بالعرض الذي لا يعود.

كلُّ من يصنع جريمة يتحمل مسؤوليتها حتى ولو دفعه أحدٌ إليها بدوافع نفسية، لا تزيد عن كونها سببا فقط، وليس هذا الحديث المستطرد عن دوافع الخطأ لدى الفتاة تبريرا لأي خطأ تقع فيه، ولكنه مجرد تفسير نفسي، يجعلنا نتحمل مسؤوليتنا تجاهه، كما نُحمل الفتاة مسؤوليتها كاملة لو أنها ارتكبت جريمة ما بأي دافع كان.

 

وفي اتجاه آخر، فقد شجعت الأمثال العامية التي تُوهم الرجل بأنه لا يعيبه شيء، وأنه ينقل عيبه، شجعت بعض الشباب على الاستهتار بالقيم، والانزلاق في أوحال الرذيلة، والسير حتى النهاية في طرق الغواية، بحجة أنه شباب، وأنه مراهق، وأنه يوما ما سوف يعود إلى رشده، بعد أن يتزوج ويتأهل، ويتحمل مسؤولياته، وكثير من الشباب كانوا كذلك ثم استقاموا!!.

من ذا الذي شرعن ذلك؟ ومن الذي أحلَّ هذا العبث بالحرمات؟ وهل يقبل أحد أن يقدم لنارهم الهوجاء الطُّعم الذي يكفي نهمها من عرضه؟ وماذا لو توقفت بهم الحياة عند نقطة سوداء ورحلوا بسوآتهم؟! وهل كلُّ من دارت برأسه الخطيئة عاد إلى صوابه، واستقام في حياته؟! وماذا عن ركام الخبرات السيئة، ونفايات الماضي القذر؟!

النساء شقائق الرجال” إذا لم نأخذ بهذا الهدي النبوي الكريم، فسوف تغرق السفينة بالجنسين، وبنا معهم، لأننا لم نأخذ على أيدي جهالنا، الذين يتعبدون بالأعراف البالية أكثر من أحكام دينهم، ويعدُّون الخروج عليها عارا وعيبا وفضيحة حتى ولو كانت خاطئة.

إن نشر العلم والثقافة في اتجاه تغيير المفاهيم الخاطئة هو السبيل الأمثل إلى إحداث نقلة شاملة في النظر إلى (الأنثى) المطلقة أو الأرملة التي قد تكون ذات خلق وثقافة وجمال أكثر من أختها البكر، وإلى من تأخرت عن الزواج بأنها أصبحت مؤهلة أكثر لتحمل المسؤولية والنضج النفسي والعقلي لمن هم في سنها أو أكبر، وإلى من أخطأت وأذنبت أن تُرشد وتحتوى، أو تؤدب بما شرع الله تعالى إذا كانت مصرة على سلوكها.

 

وأن يعلم الشباب بأن (الطهارة) قيمة كبرى، وأن (الاستقامة) تحفظ الحاضر والمستقبل بإذن الله تعالى.



اترك تعليقاً