المخدِّرات .. الجبهة الأخرى

المخدِّرات .. الجبهة الأخرى

د. خالد الحليبي

لا أجد فرقا بين من يهدِّد أمنَ حدودنا ومن يستهدف ضرب عمق بلادنا ومستقبلَها بالمخدِّارت بكل أشكالها وألوانها الخادعة، إنَّ ثلثي ما يصدر للعالم يصدر للسعودية كما يقول اللواء أحمد سعدي الزهراني، عشرات الملايين تعثر عليها الأعين الساهرة والأيدي القوية في الأجهزة الأمنية خلال أشهر، برا وبحرا وجوا، حرب حقيقية على أعظم مكتسبات الوطن ومدَّخراته وهو الإنسان، ومن يظن أن الأمر مادي وحسب فهو لا يعرف أنواع الحروب التي تموج في عالم اليوم البائس الظالم، فقد أصبحت الحروب العسكرية هي منجل الحصاد لكل الحروب الأخرى؛ النفسية، والاقتصادية، والإعلامية، والثقافية، والعقدية و…، تماما كما يدخل مشاة الجيوش ودباباتها لتستلم الأرض بعد أن تحرقها الطائرات بأنواع المتفجرات الحارقة والعنقودية والبراميل البارودية، والنووية كذلك …!!

الذين يتكسبون من ترويج المخدرات في الداخل هم مجرد أدوات تستهدف الربح المادي السريع، وتستغلهم القوى الخارجية لتنفيذ مخططاتها الإجرامية، تماما كما يستهدفون أمننا باختطاف عقول شبابنا وتحويلهم إلى قنابل متفجرة في معاقلنا ومساجدنا.

وإذا كانت الجهات الأمنية تراقب الحدود ومفاصل الأمن الداخلي بمهارات فائقة مستعينة بالله تعالى، وبما وفقها له من حدس وبصيرة وخبرات، فإن المراقب الأسري يرصد آثارا أخرى لتلك المخدرات على كيان الفرد والأسرة، حيث هدير الألم يقض مضاجع الأمهات اللاتي ثكلن أولادهن وهم أحياء، والزوجات اللاتي خسرن أزواجهن فانطفأت أزهار الحياة في مُقلهنَّ الشابة، والأبناء الذين صاروا يستحون أن ينتموا لأبٍ باع كلَّ قيمه وكلَّ أفراد أسرته ومستقبل حياتهم بلفافات وحبوب تحرق ما تبقى في كيانه الخرِب، ليتركهم أيتاما فقراء وأبوهم وكاسبهم حي كميت. إن هذا الجنوح يعني أنَّ صاحبها صار عذابا وسيفا مصلتا على أقرب الناس إليه، بل أسوأ من ذلك، فهم يتمنون شفاءه أو موته، بينما هو يعيش في زنزانة تنتقل معه حيث كان، سقطت كلُّ أسوار الستر، وتكشفت روحه أمام الملأ فلم يعد سوى شبح إنسان ينتظر اللفافة الأبقى التي سترافقه إلى قبر مظلم يشبه القبر الذي عاشه بين أقران السوء في كهف من كهوف الخوف والعزلة النكراء.

إن ما أعدته اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات برئاسة سمو ولي العهد وزير الداخلية ليس عاديا، لا، بل هو خُلاصة ما ابتكره العالم في مواجهة مافيا المخدرات التي تستهدف النسل، وشباب الوطن لتمسخَه خلقا آخر، ويا بؤس هذا الخلق وأمضَّه!!

فهي تُوَعِّي، وتعالج، وتُؤهِّل بفنون راقية ومتقدمة، وإذا كانت المملكة قد حقَّقت نصرها على الإرهاب الأخطر من قبل، ولا تزال تواجه امتداداته، وكان المواطن في الصف الأول مع الجهات الأمنية ضد فلوله في كل مكان؛ في استراحة أو محل أو شقة…، فإن المواطن يجب أن يكون حاضرا في الحرب على المخدرات لتحقيق النصر الكبير عليها بإذن الله تعالى، والحدِّ من انتشارها أفقيا في البلاد، أو عموديا في الأعمار التي لا تزال بعيدة عنها.

(نبراس) مناورة وطنية أطلقتها أجهزة مكافحة المخدارت، وهي تدعو كل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة أن يكون أحد أذرعها القوية، ولا يقل أحدٌ: إنه لا علاقة له بها، فإنك حين تترك النار في بيت جارك فسوف تلتهم بيتك، وقد تفاجأت بيوت محافظة مطمئنة بانزلاق أحد أفرادها في بؤرة قذرة من بُؤر عصابات المخدرات، بالابتزاز أحيانا، وبالجهل أحيانا، وبالإهمال التربوي كثيرا، وأحيانا بتزيين أفلام الفساد المدفوعة دفعا من مافيا المخدرات بملايين الدولارات.

إذا علمنا بأن هناك مصانع للحبوب المخدرة مخصصة فقط للسعودية، وأن المادة المخدِّرة فيها لا تتعدى 10% منها فقط، والباقي مواد مدمرة عقليًّا، حينها نعرف مدى الحرب الموجهة لبلاد الإسلام الأولى، وقلعته الشامخة، وحينها سنعلم ـ أيضا ـ أننا حين نشترك في مواجهة هذه الجريمة الإنسانية فإننا نجاهد على ثغر من ثغور الإسلام الكبرى، فليس مع المخدِّرات سوى الدمار النفسي والأخلاقي والتضاؤل شيئا فشيئا في التمسك بأحكام الشريعة حتى الانطفاء الكامل إلا من رحم الله.



اترك تعليقاً