الاستشارات الإلكترونية
حقيقتان فرضتا الالتفات إلى وسائل جديدة لتلقي استشارات الناس في مجالات الأسرة والنفس والتربية والطب، الأولى تزايد المشكلات وتنوعها، والأخرى انكباب الناس على أجهزة الاتصال، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ وكان الخيار الإلكتروني هو الذي أجمع عليه جميع المختصين المشاركين في (ندوة الاستشارات الإلكترونية) التي أقيمت في ميرديان المدينة بشراكة متكاملة بين وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في مركز التنمية الاجتماعية في المدينة، وجمعية التنمية الأسرية بالمدينة المنورة (أسرتي) ومركز بيت الخبرة للبحوث والدراسات الاجتماعية الأهلي، حيث لم يعد الإنسان واحدا من الملايين الذين يعيش بينهم في وطنه المحلي فقط، بل أصبح مواطنا في العالم الافتراضي الذي يعيش فيه أكثر من ثلاثة مليارات مواطن رقمي، توحدهم لغة رقمية أصبحت اللغة الطاغية على كل لغات الأرض، تعلما، وسعة، وعمقا، وتداخلا مع نسيج الإنسان وحواسه.
لقد بات من الضروري أن تقوم الجهات الأسرية بالتوجه القوي العلمي والمهني المدروس بعناية لتحريك أنامل الإبداع الرقمي، واستثمار إمكاناته المدهشة؛ ليكون الإنسان في كل مكان متصلا مع مستشاره في أية لحظة.
لم يكن المتحدثون في ندوة الاستشارات الإلكترونية الرائدة كلهم مختصين في الإرشاد والتوجيه، أو في الخدمة الاجتماعية، أو في علم النفس، فقط، بل هم من كل هذه التخصصات، وفيهم العلماء الشرعيون، والمختصون القانونيون، والخبراء التقنيون، والأطباء، والباحثون في الثقافة الإسلامية، والعلوم التربوية؛ للعلاقة الكبرى بين كل هذه الفنون وإدارة وحقوق ومهنية القائمين على مؤسسات الاستشارات الإلكترونية بكل أبعادها.
وإذا كان لي أن أؤكد حقيقة الإقبال الهائل على هذا النوع من الاستشارات، فبين يدي (موقع المستشار) الذي يزوره سنويا أكثر من ثلاثة ملايين زائر وزائرة من جميع أنحاء العالم، مع أنه باللغة العربية فقط، وقرئت استشاراته أكثر من اثنين وأربعين مليون مرة، ويحتفظ بأكثر من واحد وعشرين ألف استشارة، وآلاف المقالات والمواد النافعة، كما تشهد ذلك مواقع أخرى مختصة في هذه الخدمة، أو حتى المواقع التي تعد الاستشارات واحدة من خدماتها المتعددة.
تمتاز الاستشارة الإلكترونية عن غيرها، كونها قناة حرة تساعد الباحث عن استشارة في التعبير عن الموضوع الذي يود أن يستفسر عنه بشفافية ووضوح؛ بعيدا عن الإحراجات أو الضغوط أو ضيق الوقت، كما توفر قنوات سهلة للتواصل مع أصحاب المشكلات التي تحتاج إلى علاج خاص، ومساعدتهم على تجاوز هذه الصعوبات دون وضعهم في ظروف مواجهة محرجة قد تمنعهم من التصريح بكل ما يدور في أنفسهم.
ومن خلال رصد هذه المشكلات بأقلام أصحابها يمكن التعرف على المشكلات التي تواجه المجتمع، للبحث عن حلول مناسبة وصحيحة لها، وإشهارها بين الناس، كما يمكن توفير موسوعة محفوظة ومبوبة من الاستشارات، والمقترحات، والأفكار التي عرضت على المستشارين من قبل وقدموا آراءهم حولها؛ مما يجعلها رصيدا مفيدا يمكن الاستفادة منه من خلال إتاحته للمجتمع مبوبا على الشبكة أو من خلال إصدارات ورقية، وهو ما يصب في خانة الوقاية قبل العلاج، بل يمكن استفادة الباحثين من هذا الرصيد لإجراء دراسات علمية واجتماعية، ومعرفة توجه أفراد المجتمع تجاه قضية ما، مع محاولة معالجة القصور في طبيعة الاستشارة الإلكترونية؛ مما يؤكد أهمية وجود دراسات علمية تؤطر هذه الخدمة وتحدد لها مساراتها الصحيحة؛ لتكون مبادرة عملية مشكورة في سبيل تنظيم هذه الخدمة وتطويرها نحو الأفضل.
من الضروري جدا، ونحن نواجه هذا الإقبال الكبير على الاستشارات الإلكترونية أن نحدد أهدافها ومزاياها، منطلقين من واقع الاستشارات الإلكترونية العربية، وما يتعلق بالعوض، والحوافز، والضمان في الاستشارات الإلكترونية، والأسس والمعايير المهنية للاستشارات الإلكترونية، والحقوق في الاستشارات الإلكترونية، إلى جانب طرح أفكار تطويرية للاستشارات الإلكترونية تقنيا ومهنيا وعلميا. كل ذلك في دليل متكامل للاستشارات الإلكترونية، تستثمر فيه نتائج عشرين بحثا أكاديميا، قدمت في هذه الندوة التي تعد الأولى من نوعها. والله الموفق.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.