قياس الاستعداد الأسري
د. خالد الحليبي
تزايد المشكلات الأسرية وما يترتب عليها من فراق مرّ يترك آثارا نفسية، واجتماعية، واقتصادية، وأمنية، يجب ألا يبقى على خشبة المسرح أو شاشة العرض، وكأنه لا يعنينا، بل لا بد من ابتكار أساليب جديدة للحدّ من أسباب تلك المشكلات، وكل مؤسسة إدارية أو تعليمية تقوم بدورها حسب تخصصها.
و(مركز قياس) بما له من منجزات وطنية كبرى، وجد أنه يمكن أن يقدم ـ من خلال خبرائه ـ خدمة للمقبلين والمقبلات على الزواج، (مقياسا) يساعدهم على النجاح في الحياة الزواجية استقرارا وإنتاجا وسعادة.
ومنذ انطلاقة الفكرة المجردة لهذا البرنامج في وسائل الإعلام المختلفة، والتساؤلات لدى الجهات الأسرية والمهتمين بهذا الشأن مستمرة عن محتوى العمل الذي سيقدمه مركزنا الوطني، هل سيتمحور حول مساعدة المقبلين على الزواج في الاختيار الأمثل لشريك الحياة، باستخدام معايير وأدوات واختبارات نفسية، تقيس مدى الاستعداد للعلاقات الأسرية القادمة، ومدى ملاءمة كل من الزوجين للآخر، بالتعرف على خصائص كل من الطرفين قبل الدخول، أم مدى القدرة على الاستقرار الزواجي؟
وهل سيكون بعد هذه الخطوة خطوات أخرى ربما يكون من أبرزها تحليل ألوف النتائج التي ستكون في ذاكرة المركز من جراء دخول الشباب والفتيات على الاختبار؛ لاستكشاف مدى استعدادهم لقيادة الحياة القادمة، المختلفة تماما عن التي قبلها، لما يتحمله كل منهما من مسؤوليات جديدة؟.
وإذا كان الاختبار سيحقق مكسبا شخصيا للمتعامل معه من الجنسين، فإن التحليل سوف يكشف عن احتياجات تكميلية وتدريبية تمثل منجزا وطنيا؛ تتعاضد مع ما أعدته وكالة التنمية الاجتماعية وأصدره مجلس الوزراء الموقر (برنامج تأهيل) المعني بتأهيل الراغبين والراغبات في الزواج للتعامل الأمثل بين شقي الحياة الزوجية، بل حتى للمساعدة على الاختيار الصحيح للطرف الآخر وفق الخصائص والكفاءة الذاتية؛ في الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والصحي بشقيه الجسدي والنفسي.
أتصور بأن مشروع (مركز قياس) سيتكامل مع مشروع (تأهيل) حين يتواصل المركز مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والجهات التابعة لها، التي تنفذ المشروع الثاني، بحيث يشترطون في الدخول القيام باختبار (قياس)، ومن أراد فيمكنه إحضار النتائج إلى موقع التدريب؛ ليستفيد من المدرب أو المدربة لتحليل البيانات، أو تقديم بعض الإرشادات اللازمة.
ولا شك بأن المشروعين توأم في الهدف، وهو: الحدُّ ـ قدر الإمكان ـ من أعداد الطلاق المتزايدة في عدد كبير من مناطق المملكة، بسبب الإخفاق في الاختيار الأسلم للشريك، وبسبب المفاهيم المغلوطة، والموروثة دون تمحيص من الجيل السابق، لكونها لا تتناسب مع الجيل الجديد، أو مع العصر المتجدد بسرعة.
إن معرفة القدرات الخاصة التي يمتلكها الإنسان في أي عمل يقوم به، تجعله يحدد أولوياته في التطوير الذاتي، بحسب ما ينكشف له من الجوانب الإيجابية؛ فيعززها، أو جوانب النقص فيسعى لمعالجتها ذاتيا أو مع مرشدين.
وأي أمر جديد لابد أن يتلقاه الناس بنوع من التردد، أو الرفض أو السخرية أحيانا، ولكنه إذا نجح في تأكيد أهميته فسوف يلحق هؤلاء بمن تقدمهم في الترحيب به، والسير معه في مراحله؛ حتى يكتمل ويحقق هدفه المنشود.
وإن مركز قياس حين أطلق هذه المبادرة التي تنبع من تخصصه، ليستنهض في الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث قدراتها الأكاديمية، ومواردها البشرية؛ لتطلق مبادرات أخرى في الاتجاه نفسه، ولكن برؤى ومشاريع جديدة.
إن مدّ الطلاق بكل عواقبه الوخيمة لا يمكن أن تتحمل محاربته جهة واحدة، بل يحتاج من كل وزارة وجامعة وهيئة ومركز أن يقدموا ما يستطيعون للإسهام في مكافحته، والمبادرة الأذكى هي التي سيكون لها الأثر الأجدى بإذن الله تعالى.
ماذا لو أطلقت مؤسسة اجتماعية أو أكاديمية جائزة مؤقتة لمن يبتكر مشروعا جديدا للحد من الطلاق؟ ماذا لو شملت الجائزة: مواد إعلامية، درامية، كاريكاتير، معرضا متخصصا، رواية!
من ترك الحريق في دار جاره أوشك أن يلتهم داره، والطلاق داء خاص، ولكن يمكن أن يتحول إلى ثقافة تنتشر كالوباء، ومحاربته يمكن أن تتحول إلى ثقافة يقوم بها كل أفراد المجتمع.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.