المتطوعون.. ماذا عن الأسرة؟
د. خالد الحليبي
التطوع عبادة مشروعة، وسمة حضارية تعنى بها كل الدول المتقدمة، ومن يقومون بهذه المهمة أو المهام الجليلة لهم سمات خاصة، فهم نبلاء في مشاعرهم، مضحون بأوقاتهم، كرماء بأموالهم، مستنفرون باستمرار لتقديم مزيد من العمل الذي يتجاوز الدوام الرسمي، والمكان الرسمي، فهم يتطوعون على الشواطىء وفي المساجد وداخل المؤسسات التعليمية والدوائر الحكومية، وعلى امتداد الشوارع بل حتى بين الجدران المغلقة في الإصلاحيات. ويتعاملون مع كل الفئات، الفقيرة والغنية، والصغار والكبار، والإناث والذكور، بشخصيات (غيرية) قادرة على التشكل بحسب الاحتياج الذي تسهم في سده، وعلى احتواء أنماط الشخصيات المختلفة التي تتعامل معها.
وفي رؤيتنا السعودية (2030) نشر ثقافة التطوع لينضم إلى ركبها مليون متطوع، وهو ليس رقما كبيرا على وطن كبير بقدره، وكبير بمساحته، وكبير بعدد مواطنيه ومقيميه، وكبير بعطائه الذي عرفه العالم به.
وهمُّ المتطوع أن يقدم ـ دون مقابل أو بأقل مما يستحق ـ خدمة لمجتمعه تتناسب مع قدراته وتخصصاته واهتماماته، يرجو بها وجه الله تعالى، ويحقق بها وجوده الفاعل في إطار عام، يترك أثرا في البناء المتكامل في مجتمعه ووطنه.
ولا شك بأن الحصن الداخلي للمتطوع (أسرته) لها أثر كبير في تهيئته ومساندته للتطوع ودفعه للمثابرة في العمل والاستمرار وعدم الانقطاع.
ومسؤوليات الأسرة ـ مهما كان موقع المتطوع خارجها ـ هي الأولية المقدمة على كل المسؤوليات بلا استثناء، لأنها مسؤولية شخصية، لا يمكن أن يقوم بها غيره، وأما المسؤوليات الأخرى فيمكن أن ينهض بها من هو مثله أو خير منه.
ومن أهم عوامل نجاح أسرة المتطوع ـ بتوفيق الله تعالى ـ حسن مواءمته بين عمله التطوعي، والوفاء بمتطلبات الأسرة مادية كانت أو معنوية، والحقيقة أن نظرة عامة لواقع كثير من المتطوعين، تشير إلى أن عددا كبيرا منهم يخفق في هذا التوازن، فهو بمجرد أن ينجح في عمله التطوعي ينسى أو يتناسى كثيرا من المسؤوليات الأسرية، ويلقيها على ظهور الآخرين، أو يهملها، ويعتذر لنفسه أو لمن يسأله بأنه مشغول بخير، وبتقديم نفع عام للمجتمع. وهو عندي غير معذور بلا شك، ومن أجل الإسهام في إيجاد حلول واقعية لهذه الإشكالية، فسوف أتحدث في أكثر من مقالة عن هذه القضية بإذن الله تعالى.
إن الانطلاقة الناجحة والمجربة هي أن يُشرك المتطوع أسرته في همه التطوعي، بما يتناسب مع ميولهم ورغباتهم، سواء في المؤسسة التطوعية التي يعمل فيها، أو في مؤسسات أخرى، فإن عددا ممن فعلوا ذلك وجدوا أن فكرة التطوع تغيرت في نظر أسرهم تغيرا جذريا، فبدلا من الوقوف ضدها؛ لأنها سبب ضعف العلاقة معه، انغمسوا معه في أطرها العذبة الجميلة، ومن ذاق عرف.
وفي هذا النسق، عندما لا تدخل الأسرة معه في تطوعه، ينبغي أن يحرص المتطوع على كسب رضا أسرته عن هذا العمل؛ بإيضاح فوائده الماتعة، وانعكاساته على الأسرة؟ وغالبا سوف تقل شكوى الزوجة من انشغاله عنها وعن المنزل، وتتحمل عنه بعض المسؤوليات بأريحية، وسوف يفخر به أولاده ويشعرون بالغبطة أنهم أبناء رجل أريحي كريم اليد، شهم النفس، وسوف يدعو له والداه ويحسان بالنعمة؛ لأن ما يصنعه ولدهما يعود إليهما بالأجر والبركة، ونحو ذلك سوف يحدث مع كل طرف تضرر من التحاقه بركب المتطوعين والمتطوعات، ويحتاج المتطوع مع ذلك كله إلى تعزيز وشكر مستمر لكل من وقف معه وصبر عليه وقام بشيء من واجباته عنه.
وهذا لا يغني المتطوع عن محاسبة نفسه بإنصاف، ومراجعة الأمر باعتدال وتأمل كلما توغل أكثر في بحر التطوع الكبير، لأن الصبر والتحمل قد يكون فوق طاقة المتضررين بانشغاله، وقد يكتمون، وعندما يحتاجون للتنفيس تكون المسارب غير آمنة، وهنا (من مأمنه يؤتى الحذر).
وللوقاية من هذا النفق الذي قد يتجه إليه قطار العائلة لابد من تعزيز العلاقات بالوالدين والزوجة/الزوج والأولاد صغارًا وكبارًا بدرجة ممتازة، وابتكار طرقٍ جديدة ـ باستمرار ـ لتحقيق الوئام بين المتطوع وأسرته؛ ليستمر العطاء، وتكون أسرته أنموذجا يحتذى في نجاحاتها المتعددة.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.