اعمل في غير تخصصك.. وسوف تنجح!
د. خالد الحليبي
«أبشروا بالخير» هكذا قالها خادم الحرمين الشريفين في جدة، مبتسما في وجه الشاب الذي قدم له خطابًا ممثلا لجميع أبنائه وبناته خريجي وخريجات التربية الخاصة بجميع المسارات. وسلمان الحزم يسبق فعله قوله، والمأمول أن يضع ـ حفظه الله تعالى ـ حدًّا لهذه المشكلة العالقة، بإذن الله تعالى وعونه.
هذا الحدث أوحى إليَّ بسؤال مشروع: هل يجب أن أعمل في التخصص الذي درست فيه في المرحلة الجامعية؟ وتنهمر بعده أسئلة أخرى:
هل جميع الموظفين والموظفات والمعلمين والمعلمات يعملون في مجال تخصصاتهم؟
هل جميع الوزراء متخصصون في شؤون الوزارات التي يقودونها؟
هل جميع قادة الجهات الحكومية والأهلية والشركات الكبرى مثل أرامكو وسابك وسكيكو وغيرها، ومدراء العموم فيها، ورؤساء الأقسام متخصصون في خدمات الجهات التي يرأسونها؟
أجزم بأن الجواب: لا، وأنا أعلم ـ يقينا ـ بأنه إذا تطابقت الدراسة النظرية مع العمل سيكون أكثر إنتاجية في حالة رغبة هذا الخريج في الاتجاه الذي درس فيه، أما إذا كان يتعامل مع تخصصه الدراسي على أنه مرغم عليه؛ لأنه بكل وضوح لم يجد الفرصة فيما يميل إليه من التخصصات، بسبب عدم توافرها في بلده، أو لأنها أغلقت دونه حين التسجيل؛ بسبب المجموع أو المعدل أو نسبة اختبار القياس، فإن هذا الخريج لا فرق بينه وبين أي خريج آخر من تخصص آخر، وكل ذنبه عدم وجود فرصة تسجيل حين كان عمره 18 سنة فقط، والاختيارات أمامه كانت محدودة جدا!
إن الاعتماد على التخصص الذي تشهد به وثيقة التخرج في اختيار المكان المناسب للخريج غير صحيح في الزمن الذي تجاوز كثيرا مما اعتدنا عليه سابقا.
وما أؤمن به هو النظر مجددا لهؤلاء الخريجين الذين علقت أسماؤهم بين القوائم المختلفة؛ بسبب تخصصاتهم التي فتحت أمامهم للدراسة، وأغلقت أمامهم في التوظيف، بحيث تتعرف عليهم الجهات المختصة في التوظيف بطريقة جديدة بعيدة عن التخصص، ماذا يملكون من المهارات العملية؟ (علاقات عامة، تصميم، إعلام جديد، تخطيط،…) هل لديهم دبلومات بعد الجامعة مارسوا تخصصاتها عمليا بعد نيلها؟ (محاماة، إرشاد، محاسبة قانونية،…)، ما مدى رغبتهم في العمل، وقوة الكاريزما والجاذبية القيادية في شخصياتهم ووفرتها؟ هل لديهم استعداد أن يتحولوا إلى تخصص آخر في الدائرة بعد دورة أو دبلوم، كما تفعل أرامكو مثلا في التأهيل المستمر لموظفيها؟
وبدلا من أن نطلب من شباب في مطالع حياتهم المالية أن يجازفوا ويغامروا فيقترضوا مبلغا كبيرا؛ ليبدأوا مشروعات خاصة تخدم هذا الجانب الضعيف الخدمات في مجتمعنا، وهو: (التربية الخاصة) لماذا لا يسهم أصحاب الأموال الطائلة، والجمعيات الخيرية في افتتاح مشروعات استثمارية تخدم أولاد البلد ممن ابتلوا بالحاجة إلى فروع التربية الخاصة، مثل: صعوبات التعلم، والإعاقات العقلية، والإعاقة البصرية، والسمعية، والإعاقة الانفعالية، والحركة المستديمة، واضطرابات التواصل، والموهبة والتفوق، والتوحد، والإعاقة الصحية، والإعاقات المتعددة، وقصور الانتباه وفرط الحركة، كل ذلك يعد فرصا استثمارية لأبناء الوطن، وفرصا لسد احتياج مئات الآلاف من المحتاجين لهذه التخصصات، التي كثير منها لا يوجد ما يكفي لاستيعابها في بلادنا، بينما آلاف المواطنين يضطرون للسفر والإنفاق الكبير؛ لإيداع أولادهم في مصحات ودور تربية وتعليم في دول عربية عديدة، أليس مما يتفق مع رؤيتنا الجديدة 2030 أن نحفظ أموالنا في بلادنا، ونحل مشكلة عدد كبير من خريجينا، ونضيف إلى بلادنا مؤسسات جديدة، تقدم لنا سدا للاحتياج الذاتي في قضايا إنسانية، لا بد منها؟!
المهم ألا تكون الأبواب موصدة تماما أمام أي تخصص، ولا تكون الحلول في اتجاه واحد فقط، وقد رأيت من الموظفين ممن مرَّ عليَّ في حياتي العملية خلال أكثر من ثلاثين عاما من كان أجود وأفضل وأكثر إنتاجية من زميله المتخصص في الفن نفسه.
لقد سجل كثيرون نجاحات مبهرة في غير تخصصاتهم، وحتى أنت أيها الخريج، لا تقف عند عتبة باب تخصصك تنتظر… بل اضرب في الأرض، وابتغ من فضل ربك، وأطلق مهاراتك الكامنة، وفعِّل مواهبك المنتجة التي قد تكون بردت من طول تركها في (ثلاجة الزمن)، ضُخَّ فيها شريانا جديدا من الأمل، وادفع مركبتك ولو بيديك.. وـ بإذن الله ـ سوف تكتب لنا قصة نجاحك في سجل نجاحات السفراء والأدباء ورجال الأعمال الذين نسوا شهاداتهم في خزائن وثائقهم، وتحركوا بما سكن في أعصابهم وضمائرهم من همم عالية، وتوكل لا يخالطه تواكل، وأفكار لا تنفد بإذن الله تعالى.. في انتظار القصة..
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.