مقال | في بيتي مدمن جوال

في بيتي مدمن جوال

د. خالد الحليبي

يا الله.. ما هذا الذي حال بين الابن وأبيه، والزوج وزوجه، والحبيب وحبيبه!! غرّبَ الإنسان في بيته؛ حتى كأنه لا يعرف من فيه!!

آباء وأمهات وربما أزواج وزوجات يصيحون:

في بيتي من يحتضن الجوال كأنه طفل مريض، وينام معه في السرير.

وفيه من يطفئ أنوار الغرفة، ويأوي إلى فراشه، ويظل الجوال قطعة من يده، والسلك الطويل مشبوكا بالكهرباء القريبة من رأسه، وقد يتغطى معه بلحاف واحد، وعيناه المجهدتان تنقب في زوايا زواياه؛ مبحلقة بحرقة، تطرف حينا وترجف حينا آخر! حتى يقع الجوال على وجهه من الإعياء والتعب!

وفي بيتي من يدخل معه الجوال إلى الحمام، ويأكل معه ويشرب على المائدة، ويتحدث معنا كأنه مأخوذ القلب، هه؟ نعم؟ أعد مرة ثانية لو سمحت! هذا أكثر ما تسمعه منه!

وفي بيتي من ينام ولا يوتر؛ فقط لأنه انهمك في مغارات الواتس وملأت عليه أصوات تغاريد تويتر أذنيه، وذُهل عقلُه بين سناب شات ويوتيوب وانستقرام!!

بل في بيتي من يغرس في أذنيه سماعتين كذُبابتين، ويبقى يستمع.. يستمع حتى يأخذه النوم إلى أغواره!! فيصحو وقد صبَّتا الكهرباء المغناطيسية في طبلتيه صبًّا.. ثم يولول بعد ذلك: وا أذناه!!

وفي بيتي من لا يبالي بكل تحذيرات الأطباء من إشعاعات الشاشة الفضية فلا يكاد يحوِّلُ عنه حبيبتيه، حتى يصرخ: واعيناه!!

وفيه من يظل يبحث عن الأخبار البائسة، والحوادث الفظيعة، والجرائم البشعة طوال اليوم؛ حتى أصيبَ بالاكتئاب، فاسودت الحياةُ في عينيه، ولوثت حتى أحلامَه؛ فهو يعيشُ مآسيَه ومآسيَ جميعِ البشر في صحوه ونومه، وكأنه مسؤول عنهم جميعا!! ثم يصيح: أريد السفر لأرتاح من هذه الهموم والغموم!!

في بيتي يجتمع الأولاد بأجسادهم وقلوبهم شتى!! ثم يقولون: اليوم زرنا الوالد والوالدة!!

في بيتي من يمشي وعيناه في الجوال؛ حتى يصطدم بجدار أو أثاث!!

وأكثرُ ما أخافُ منه.. هو أن يقودَ ولدي السيارةَ ولوثةُ إدمان الجوال هذه تطيش بعقله، بعد أن عرفت بأن أكثر الحوادث المرورية هي بسبب غياب الوعي للحظة من لحظات الانغماس في محيط النت المتقاذف على بلورة هذا الساحر القاتل!! حتى شاع بين بعض الشباب ضعفُ التركيز، وتصاعدُ التوتر، وبروز مخيف لكل علامات الإدمان القاتل!

فهل يقف الأبوان مكتوفي الأيدي؟! أم سيتخذان القرارات الملزمة لأولادهما:

لا للجوال على طاولة الطعام، أو على السرير، أو في جلسة الحوار اليومية في البيت، وألف لا للجوال خلال القيادة، أو في حضرة الوالدين، أو عند الضيوف، أو في الفصل الدراسي، أو في المسجد خلال انتظار الصلاة أو بعدها!!

الحزم هو الذي ينهي ارتكاب تلك المقدمات المفزعة لما قد يحدث بعدها -لا قدر الله- من كوارث حياتية وصحية، أو انعقاد علاقات غير أخلاقية أو تفريط في الواجبات، والمستقبل مرهون بكل ذلك، والله المستعان.



اترك تعليقاً